الباحث القرآني

ولَمّا تَجَلَّتْ عَرائِسُ هَذِهِ المَعانِي؛ آخِذَةً بِالألْبابِ؛ ولَمَعَتْ سُيُوفُ تِلْكَ المَبانِي مِنَ المَثانِي؛ قاطِعَةً الرِّقابَ؛ وخَتَمَها بِما خَتَمَ؛ مِن صادِعِ الإرْهابِ؛ أنْتَجَتْ؛ ولا بُدَّ؛ قَوْلَهُ - مُعَلِّلًا لِإتْيانِ ما تَوَعَّدَهم بِهِ؛ مُؤَكِّدًا لِما لَهم مِنَ الإنْكارِ لِمَضْمُونِ هَذا الإخْبارِ -: ﴿إنّا أنْـزَلْنا﴾؛ أيْ: بِما لَنا مِن باهِرِ العَظَمَةِ؛ ونافِذِ الكَلِمَةِ. ولَمّا كانَ تَوَسُّطُ المِلْكِ خَفِيًّا؛ لَمْ يُعِدْهُ؛ فَأسْقَطَ حَرْفَ الغايَةِ؛ إفْهامًا لِأنَّهُ في الحَقِيقَةِ بِلا واسِطَةٍ؛ بَعْدَ أنْ أثْبَتَ وساطَتَهُ أوَّلَ السُّورَةِ؛ فَقالَ - مَقْرُونًا بِالأمْرِ بِالعِبادَةِ؛ إشارَةً إلى بِدايَةِ الحالِ؛ فَلَمّا حَصَلَ التَّمَكُّنُ؛ فَصارَ الكِتابُ خُلُقًا لَهُ ﷺ وصارَ ظُهُورُهُ فِيهِ هادِيًا لِغَيْرِهِ؛ نَبَّهَ عَلى ذَلِكَ بِأداةِ الِاسْتِعْلاءِ؛ فَقالَ: ﴿عَلَيْكَ﴾؛ أيْ: خاصَّةً؛ (p-٥١٦)لا عَلى غَيْرِكَ مِن أهْلِ هَذا الزَّمانِ؛ لِأنَّكَ عِنْدَنا الخالِصُ لَنا؛ دُونَ أهْلِ القَرْيَتَيْنِ؛ ودُونَ أهْلِ الأرْضِ كُلِّهِمْ؛ لَمْ يَكُنْ لِشَيْءٍ دُونَنا فِيكَ حَظٌّ؛ ﴿الكِتابَ﴾؛ الجامِعَ لِكُلِّ خَيْرٍ؛ لِكَوْنِهِ في غايَةِ الكَمالِ؛ بِما دَلَّ عَلَيْهِ ”ال“؛ ﴿لِلنّاسِ﴾؛ عامَّةً؛ لِأنَّ رِسالَتَكَ عامَّةٌ؛ ﴿بِالحَقِّ﴾؛ مُصاحِبًا لَهُ؛ لا يَقْدِرُ الخَلْقُ عَلى أنْ يُزِيحُوا مَعْنًى مِن مَعانِيهِ عَنْ قَصْدِهِ؛ ولا لَفْظًا مِن ألْفاظِهِ عَنْ سَبِيلِهِ وحَدِّهِ؛ بَلْ هو مُعْجِزٌ في مَعانِيهِ - حاضِرَةً كانَتْ أوْ غائِبَةً - ونُظُومِهِ؛ وألْفاظِهِ؛ وأسْماءِ سُوَرِهِ؛ وآياتِهِ؛ وجَمِيعِ رُسُومِهِ؛ فَلا بُدَّ مِن إتْيانِ ما فِيهِ مِن وعْدٍ؛ ووَعِيدٍ. ولَمّا تَسَبَّبَ عَنْ عِلْمِ ذَلِكَ وُجُوبُ المُبادَرَةِ إلى الإذْعانِ لَهُ؛ لِفَوْزِ الدّارَيْنِ؛ حَسُنَ جِدًّا قَوْلُهُ (تَعالى) - تَسْلِيَةً لَهُ ﷺ؛ لِعَظِيمِ ما لَهُ مِنَ الشَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ؛ وتَهْدِيدًا لَهم -: ﴿فَمَنِ اهْتَدى﴾؛ أيْ: طاوَعَ الهادِيَ؛ ﴿فَلِنَفْسِهِ﴾؛ أيْ: فاهْتِداؤُهُ خاصٌّ نَفْعُهُ بِها؛ لَيْسَ لَهُ فِيهِ إلّا أجْرُ التَّسَبُّبِ؛ ﴿ومَن ضَلَّ﴾؛ أيْ: وقَعَ مِنهُ ضَلالٌ بِمُخالَفَتِهِ لِداعِي الفِطْرَةِ؛ ثُمَّ داعِي الرِّسالَةِ عَنْ عِلْمٍ؛ وتَعَمُّدٍ؛ أوْ إهْمالٍ لِلنَّظَرِ؛ وتَهاوُنٍ؛ ولَمّا كانَ رُبَّما وُقِعَ في وهْمِ أنَّهُ يَلْحَقُ الدّاعِيَ بَعْدَ البَيانِ مِن إثْمِ الضّالِّ؛ وكانَ السِّياقُ لِتَهْدِيدِ الضّالِّينَ؛ زادَ في التَّأْكِيدِ؛ فَقالَ: ﴿فَإنَّما يَضِلُّ عَلَيْها﴾؛ أيْ: لَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ مِن ضَلالِهِ؛ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ. ولَمّا هَدى السِّياقُ إلى أنَّ التَّقْدِيرَ: ”فَما أنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ لِتَقْهَرَهم (p-٥١٧)عَلى الهُدى“؛ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿وما أنْتَ﴾؛ أيْ: في هَذا الحالِ؛ ولِمَزِيدِ العِنايَةِ بِنَفْيِ القَهْرِ؛ قَدَّمَ أداةَ الِاسْتِعْلاءِ؛ فَقالَ: ﴿عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾؛ لِتَحْفَظَهم عَنِ الضَّلالِ؛ فَإنَّ الرِّسالَةَ إلَيْهِمْ لِإقامَةِ الحُجَّةِ؛ لا لِقُدْرَةِ الرَّسُولِ عَلى هِدايَتِهِمْ؛ ولا لِعَجْزِ المُرْسَلِ عَنْ ذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب