الباحث القرآني
ولَمّا أخْبَرَ - سُبْحانَهُ - بِالحُكْمِ بَيْنَهُمْ؛ فَكانَ ذَلِكَ - مَعَ تَضَمُّنِهِ التَّهْدِيدَ - وافِيًا بِنَفْيِ الشَّرِيكِ؛ كافِيًا في ذَلِكَ؛ لِأنَّ المَحْكُومَ فِيهِ لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ قَسِيمًا لِلْحاكِمِ؛ فَلَمْ يَبْقَ في شَيْءٍ مِن ذَلِكَ شُبْهَةٌ إلّا عِنْدَ ادِّعاءِ الوَلَدِيَّةِ؛ قالَ - نافِيًا لَها؛ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِئْنافِ؛ جَوابًا لِمَن يَقُولُ: فَما حالُ مَن يَتَوَلّى الوَلَدَ؟ قالَ القُشَيْرِيُّ: والمُحالُ يُذْكَرُ عَلى جِهَةِ الإبْعادِ أنْ لَوْ كانَ كَيْفَ حُكْمُهُ -: ﴿لَوْ أرادَ اللَّهُ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ الإحاطَةُ بِصِفاتِ الكَمالِ؛ ﴿أنْ يَتَّخِذَ﴾؛ أيْ: يَتَكَلَّفَ؛ كَما هو دَأْبُكُمْ؛ ولا يَسُوغُ في عَقْلٍ أنَّ الإلَهَ يَكُونُ مُتَكَلِّفًا؛ ﴿ولَدًا﴾؛ أيْ: كَما زَعَمَ مَن زَعَمَ ذَلِكَ؛ ولَمّا كانَ الوَلَدُ لا يُرادُ إلّا أنْ يَكُونَ خِيارًا؛ وكانَ اللَّهُ قادِرًا عَلى كُلِّ شَيْءٍ؛ عَدَلَ عَنْ أنْ يَقُولَ: ”لاتَّخَذَ“؛ إلى قَوْلِهِ: ﴿لاصْطَفى﴾؛ أيْ: اخْتارَ عَلى سَبِيلِ التَّبَنِّي؛ ﴿مِمّا يَخْلُقُ﴾؛ أيْ: يُبْدِعُهُ في أسْرَعَ مِنَ الطَّرْفِ؛ وعَبَّرَ بِالأداةِ الَّتِي أكْثَرُ اسْتِعْمالِها فِيما لا يَعْقِلُ؛ إشارَةً إلى أنَّهُ قادِرٌ عَلى جَعْلِ أقَلِّ الأشْياءِ (p-٤٥٠)أجَلَّها؛ عَلى سَبِيلِ التَّكْرارِ؛ والِاسْتِمْرارِ؛ كَما أشارَ إلَيْهِ التَّعْبِيرُ بِالمُضارِعِ؛ فَقالَ: ﴿ما يَشاءُ﴾؛ أيْ: مِمّا يَقُومُ مَقامَ الوَلَدِ؛ فَإنَّهُ لا يَحْتاجُ إلى التَّطْوِيرِ في إتْيانِ الوَلَدِ إلّا مَن لا يَقْدِرُ عَلى الإبْداعِ بِغَيْرِ ذَلِكَ.
ولَمّا كانَ لا يَرْضى إلّا بِأكْمَلِ الأوْلادِ؛ وهُمُ الأبْناءُ؛ لَكِنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ؛ فَلَمْ يَكُنْ؛ فَهَذا أقْصى ما يُمْكِنُ أنْ يَجُوزَ في العَقْلِ أنْ يَخْلُقَ خَلْقًا شَرِيفًا؛ ويُسَمِّيَهُ ولَدًا؛ إشارَةً إلى شِدَّةِ إكْرامِهِ لَهُ؛ وتَشْرِيفِهِ إيّاهُ؛ أوْ يُقَرِّبُهُ غايَةَ التَّقْرِيبِ؛ كَما فَعَلَ بِالمَلائِكَةِ؛ وعِيسى - عَلَيْهِمُ السَّلامُ -؛ فَكانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِغَلَطِكم فِيهِمْ؛ حَتّى ادَّعَيْتُمْ أنَّهم أوْلادٌ؛ ثُمَّ زَعَمْتُمْ أنَّهم بَناتٌ؛ فَكُنْتُمْ كاذِبِينَ مِن جِهَتَيْنِ؛ هَذا غايَةُ الإمْكانِ؛ وأمّا أنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّوْلِيدُ؛ فَلا؛ بَلْ هو مِمّا يُحِيلُهُ العَقْلُ؛ لِأنَّ ذَلِكَ لا يَكُونُ إلّا لِمُحْتاجٍ؛ والإلَهُ لا يُتَصَوَّرُ في عَقْلٍ أنْ يَكُونَ مُحْتاجًا أصْلًا؛ قالَ ابْنُ بُرْجانَ ما مَعْناهُ: كانَ مَعْهُودُ الوِلادَةِ عَلى وجْهَيْنِ؛ فَوَلَدٍ مَنسُوبٍ إلى والِدِهِ بُنُوَّةً؛ ووِلادَةً؛ ورَحِمًا؛ فَهَذا لَيْسَ لَهُ في الوُجُودِ العَلِيِّ وُجُودٌ؛ ولا في الإمْكانِ تَمَكُّنٌ؛ ولا في الفِعْلِ مَساغٌ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ؛ ووَلَدٍ بِمَعْنى التَّبَنِّي؛ والِاتِّخاذِ؛ وقَدْ كانَتِ العَرَبُ وغَيْرُها مِنَ الأُمَمِ يَفْعَلُونَهُ؛ حَتّى نَسَخَهُ القُرْآنُ؛ فَلا يَبْعُدُ أنْ تَكُونَ هَذِهِ العِبارَةُ كانَتْ جائِزَةً في الكُتُبِ قَبْلَنا؛ فَلَمّا أعْضَلَ (p-٤٥١)بِهِمُ الدّاءُ؛ وألْحَدُوا في ذَلِكَ عَنْ سَواءِ القَصْدِ؛ الَّذِي هو الِاصْطِفاءُ؛ إلى بُنُوَّةِ الوِلادَةِ؛ أضَلَّهُمُ اللَّهُ؛ وأعْمى أبْصارَهُمْ؛ وسَدَّ السَّبِيلَ عَنِ العِبادَةِ عَنْ ذَلِكَ؛ وكَشَفَ مَعْنى الِاصْطِفاءِ؛ وأظْهَرَ مَعْنى الوِلايَةِ؛ ونَسَخَ ذَلِكَ بِهَذا؛ لِأنَّ هَذا لا يُداخِلُهُ لَبْسٌ؛ وذَلِكَ كُلُّهُ لِبَيانِ كَمالِ هَذِهِ الأُمَّةِ؛ وعُلُوِّها في كُلِّ أمْرٍ.
ولَمّا كانَتْ نِسْبَةُ الوَلَدِ إلَيْهِ كَنِسْبَةِ الشَّرِيكِ؛ أوْ أشْنَعَ؛ وانْتَفى الأمْرانِ بِما تَقَدَّمَ مِنَ الدَّلِيلِ بِالحُكْمِ بِاعْتِرافِهِمْ بِأنَّ حُكْمَهُ - سُبْحانَهُ - نافِذٌ في كُلِّ شَيْءٍ؛ لِشَهادَةِ الوُجُودِ؛ ولِقِيامِ الأدِلَّةِ عَلى عَدَمِ الحاجَةِ إلى شَيْءٍ أصْلًا؛ فَضْلًا عَنِ الوَلَدِ؛ نَزَّهَ نَفْسَهُ بِما يَلِيقُ بِجَلالِهِ مِنَ التَّنْزِيهِ في هَذا المَقامِ؛ فَقالَ: ﴿سُبْحانَهُ﴾؛ أيْ: لَهُ التَّنْزِيهُ التّامُّ عَنْ كُلِّ نَقِيصَةٍ؛ ثُمَّ أقامَ الدَّلِيلَ عَلى هَذا التَّنْزِيهِ المُقْتَضِي لِتَفَرُّدِهِ؛ فَقالَ: ﴿هُوَ﴾؛ أيْ: الفاعِلُ لِهَذا الفِعالِ؛ والقائِلُ لِهَذِهِ الأقْوالِ؛ ظاهِرًا؛ وباطِنًا؛ ﴿اللَّهُ﴾؛ أيْ: الجامِعُ لِجَمِيعِ صِفاتِ الكَمالِ؛ ثُمَّ ذَكَرَ مِنَ الأوْصافِ ما هو كالعِلَّةِ لِذَلِكَ؛ فَقالَ: ﴿الواحِدُ﴾؛ أيْ: الَّذِي لا يَنْقَسِمُ أصْلًا؛ ولا يَكُونُ لَهُ مِثْلٌ؛ فَلا يَكُونُ لَهُ صاحِبَةٌ؛ ولا ولَدٌ؛ لِأنَّهُ لَوْ كانَ شَيْءٌ مِن ذَلِكَ؛ لَمّا كانَ لا مُجانِسًا؛ ولا جِنْسَ لَهُ؛ ولا شَبَهَ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ؛ ﴿القَهّارُ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ هَذِهِ الصِّفَةُ؛ فَكُلُّ شَيْءٍ تَحْتَ قَهْرِهِ؛ آلِهَتُهُمْ؛ وغَيْرُها؛ عَلى سَبِيلِ التَّكْرارِ؛ والِاسْتِمْرارِ؛ (p-٤٥٢)فَصَحَّ مِن غَيْرِ شَكٍّ أنَّهُ لا يَحْتاجُ إلى شَيْءٍ أصْلًا؛ وجَعْلُ ما لا حاجَةَ إلَيْهِ؛ ولا داعِيَ يَبْعَثُ عَلَيْهِ؛ عَبَثٌ يُنَزَّهُ عَنْهُ العاقِلُ؛ فَكَيْفَ بِمَن لَهُ الكَمالُ كُلُّهُ؟!
{"ayah":"لَّوۡ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن یَتَّخِذَ وَلَدࣰا لَّٱصۡطَفَىٰ مِمَّا یَخۡلُقُ مَا یَشَاۤءُۚ سُبۡحَـٰنَهُۥۖ هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡوَ ٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











