الباحث القرآني
ولَمّا عُلِمَ بِهَذِهِ البَراهِينِ أنَّهُ - سُبْحانَهُ - المُتَصَرِّفُ في المَعانِي؛ بِتَصَرُّفِهِ في القُلُوبِ بِالهِدايَةِ والإضْلالِ؛ وكانَ التَّقْدِيرُ: فَلَئِنْ قَرَّرْتَهم بِهَذا الِاسْتِفْهامِ الإنْكارِيِّ لِيَقُولُنَّ: بَلى”؛ عَطَفَ عَلَيْهِ بَيانَ أنَّهُ الخالِقُ لِلذّاتِ؛ كَما أنَّهُ المالِكُ لِلْمَعانِي والصِّفاتِ؛ فَقالَ - مُفْسِدًا لِدِينِهِمْ؛ بِاعْتِرافِهِمْ بِأصْلَيْنِ؛ القُدْرَةِ التّامَّةِ لَهُ؛ والعَجْزِ الكامِلِ لِمَعْبُوداتِهِمْ -: ﴿ولَئِنْ سَألْتَهُمْ﴾؛ أيْ: فَقُلْتَ لِمَن شِئْتَ مِنهُمْ؛ فُرادى أوْ مُجْتَمِعِينَ: ﴿مَن خَلَقَ السَّماواتِ﴾؛ أيْ: عَلى ما لَها مِنَ الِاتِّساعِ؛ والعَظَمَةِ؛ والِارْتِفاعِ؛ ﴿والأرْضَ﴾؛ عَلى ما لَها مِنَ العَجائِبِ؛ وفِيها مِنَ الِانْتِفاعِ؛ ﴿لَيَقُولُنَّ﴾؛ بَعْدَ تَخْوِيفِهِمْ لَكَ بِشُرَكائِهِمُ الَّذِينَ هم مِن جُمْلَةِ خَلْقِ مَن أرْسَلَكَ؛ بِما أنْتَ فِيهِ: الَّذِي خَلَقَها ﴿اللَّهُ﴾؛ أيْ: وحْدَهُ؛ الَّذِي لا سَمِيَّ لَهُ؛ ولا إلْباسَ بِوَجْهٍ في أمْرِهِ؛ ولا يَصُدُّهم عَنْ ذَلِكَ الحَياءُ مِنَ التَّناقُضِ؛ ولا الخَوْفُ مِنَ التَّهافُتِ بِالتَّعارُضِ. (p-٥١٢)ولَمّا كانَ هَذا مُحَيِّرًا؛ لِأنَّهُ بَيِّنٌ؛ ولا بُدَّ أنَّهم لا يُقْبِلُونَ؛ ولا يُعْرِضُونَ؛ كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: فَماذا أصْنَعُ؟ فَقالَ:﴿قُلْ﴾؛ مُسَبِّبًا عَنِ اعْتِرافِهِمْ لَهُ - سُبْحانَهُ - بِجَمِيعِ الأمْرِ قَوْلَهُ - مُقَرِّرًا بِالفَرْعِ؛ بَعْدَ إقْرارِهِمْ بِالأصْلِ؛ ومُقَرِّعًا بِتَخْوِيفِهِمْ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ أمْرٌ بِعَقْدٍ؛ ولا حَلٍّ -: ﴿أفَرَأيْتُمْ﴾؛ ولَمّا كانَ السّائِلُ النَّصُوحُ يَنْبَغِي لَهُ أنْ يُنَبِّهَ الخَصْمَ عَلى مَحَلِّ النُّكْتَةِ؛ لِيَنْتَبِهَ مِن غَفْلَتِهِ؛ فَيَرْجِعَ عَنْ غَلْطَتِهِ؛ عَبَّرَ بِأداةِ ما لا يَعْقِلُ عَنْ مَعْبُوداتِهِمْ؛ بَعْدَ التَّعْبِيرِ عَنْها سابِقًا بِأداةِ الذُّكُورِ العُقَلاءِ؛ بَيانًا لِغَلَطِهِمْ؛ فَقالَ - مُعَبِّرًا عَنْ مَفْعُولِ“رَأيْتَ”؛ الأوَّلِ؛ والثّانِي جُمْلَةُ الِاسْتِفْهامِ -: ﴿ما تَدْعُونَ﴾؛ أيْ: دُعاءَ عِبادَةٍ؛ وقَرَّرَ بُعْدَهم عَنِ التَّخْوِيفِ بِهِمْ؛ بِادِّعاءِ إلَهِيَّتِهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿مِن دُونِ اللَّهِ﴾؛ أيْ: الَّذِي هو ذُو الجَلالِ والإكْرامِ؛ فَلا شَيْءَ إلّا وهو مِن دُونِهِ؛ وتَحْتَ قَهْرِهِ؛ ولَمّا كانَتِ العافِيَةُ أكْثَرَ مِنَ البَلْوى؛ أشارَ إلَيْها بِأداةِ الشَّكِّ؛ ونَبَّهَ عَلى مَزِيدِ عَظَمَتِهِ - سُبْحانَهُ - بِإعادَةِ الِاسْمِ الأعْظَمِ؛ فَقالَ: ﴿إنْ أرادَنِيَ اللَّهُ﴾؛ أيْ: الَّذِي لا رادَّ لِأمْرِهِ؛ ولَمّا كانَ دَرْءُ المَفاسِدِ مُقَدَّمًا؛ قالَ: ﴿بِضُرٍّ﴾؛ أيْ: إنْ أطَعْتُكم في الجُنُوحِ إلَيْها خَوْفًا مِنها؛ وبالَغَ في تَنْبِيهِهِمْ؛ نُصْحًا لَهُمْ؛ لِيَرْجِعُوا عَنْ ظاهِرِ غَيِّهِمْ؛ بِما ذُكِرَ مِن دَناءَتِها؛ وسُفُولِها بِالتَّأْنِيثِ؛ بَعْدَ سُفُولِها بِعَدَمِ العَقْلِ؛ مَعَ دَناءَتِها؛ وبَعْدَ التَّهَكُّمِ بِهِمْ بِالتَّعْبِيرِ عَنْها بِأداةِ الذُّكُورِ العُقَلاءِ؛ فَقالَ: (p-٥١٣)﴿هَلْ هُنَّ﴾؛ أيْ: هَذِهِ الأوْثانُ الَّتِي تَعْبُدُونَها؛“كاشِفاتٌ”؛ أيْ: عَنِّي؛ مَعَ اعْتِرافِكم بِأنَّهُ لا خَلْقَ لَها؛ وأنَّها مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ (تَعالى)؛“ضُرَّهُ”؛ أيْ: الَّذِي أصابَنِي بِهِ؛ نَوْعًا مِنَ الكَشْفِ؛ لِأرْجُوَها في وقْتِ شِدَّتِي؛ ﴿أوْ أرادَنِي بِرَحْمَةٍ﴾؛ لِطاعَتِي إيّاهُ في تَوْحِيدِهِ؛ وخَلْعِ ما سِواهُ مِن عَبِيدِهِ؛“هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتٌ”؛ أيْ: عَنِّي؛“رَحْمَتَهُ”؛؛ أيْ: لِأجْلِ عِصْيانِي لَهُنَّ؛ نَوْعَ إمْساكٍ؛ لِأُطِيعَكم في الخَوْفِ مِنهُنَّ؛ هَذِهِ قِراءَةُ أبِي عَمْرٍو؛ بِالتَّنْوِينِ؛ وإعْمالِ اسْمِ الفاعِلِ بِنَصْبِ ما بَعْدَهُ؛ وهو الأصْلُ في اسْمِ الفاعِلِ؛ والباقُونَ بِالإضافَةِ؛ ولا فائِدَةَ غَيْرُ التَّخْفِيفِ؛ وقَدْ يُتَخَيَّلُ مِنها أنَّ الأوْثانَ مُخْتَصَّةٌ بِهَذا المَعْنى مَعْرُوفَةٌ.
ولَمّا كانَ مِنَ المَعْلُومِ أنَّهم يَسْكُتُونَ عِنْدَ هَذا السُّؤالِ؛ لِما يَعْلَمُونَ مِن لُزُومِ التَّناقُضِ إنْ أجابُوا بِالباطِلِ؛ ومِن بُطْلانِ دِينِهِمْ إنْ أجابُوا بِالحَقِّ؛ وكانَ الجَوابُ قَطْعًا عَنْ هَذا:“لا"؛ سَواءٌ نَطَقُوا؛ أوْ سَكَتُوا؛ تَحَرَّرَ أنَّهُ لا مُتَصَرِّفَ بِوَجْهٍ إلّا اللَّهُ؛ فَكانَتِ النَّتِيجَةُ قَوْلَهُ: ﴿قُلْ﴾؛ إذا ألْقَمْتَهُمُ الحَجَرَ؛ ﴿حَسْبِيَ﴾؛ أيْ: كافِيَّ ﴿اللَّهُ﴾؛ الَّذِي أفْرَدْتُهُ بِالعِبادَةِ؛ لِأنَّهُ لَهُ الأمْرُ كُلُّهُ؛ مِمّا يُخَوِّفُونَنِي بِهِ؛ ومِن غَيْرِهِ؛ ﴿عَلَيْهِ﴾؛ وحْدَهُ؛ لِأنَّ لَهُ الكَمالَ كُلَّهُ؛ ﴿يَتَوَكَّلُ المُتَوَكِّلُونَ﴾؛ أيْ: الَّذِينَ يُرِيدُونَ أنْ يَعْلُوَ أمْرُهم كُلَّ أمْرٍ؛ وأمَرَهُ بِالقَوْلِ؛ إعْلامًا بِأنَّ حالَهم عِنْدَ هَذا السُّؤالِ التَّناقُضُ (p-٥١٤)الظّاهِرُ جِدًّا.
{"ayah":"وَلَىِٕن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَیَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلۡ أَفَرَءَیۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَنِیَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلۡ هُنَّ كَـٰشِفَـٰتُ ضُرِّهِۦۤ أَوۡ أَرَادَنِی بِرَحۡمَةٍ هَلۡ هُنَّ مُمۡسِكَـٰتُ رَحۡمَتِهِۦۚ قُلۡ حَسۡبِیَ ٱللَّهُۖ عَلَیۡهِ یَتَوَكَّلُ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











