الباحث القرآني

ولَمّا أقامَ - سُبْحانَهُ - الدَّلِيلَ المُنِيرَ عَلى التَّفاوُتِ العَظِيمِ بَيْنَ مَن هو قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ؛ ساجِدًا وقائِمًا؛ يَدْعُو اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ؛ وبَيْنَ مَن يَدْعُو لِلَّهِ أنْدادًا؛ وخَتَمَ بِضَرْبِ الأمْثالِ؛ وكانَ الأمْثالُ أبْيَنَ فِيما يُرادُ مِنَ الأحْوالِ؛ قالَ - مُنَبِّهًا عَلى عَظَمَتِها؛ بِلَفْتِ القَوْلِ عَنْ مَظْهَرِ العَظَمَةِ؛ إلى الِاسْمِ الأعْظَمِ؛ الجامِعِ لِجَمِيعِ صِفاتِ الكَمالِ -: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ﴾؛ أيْ: المَلِكُ الأعْظَمُ؛ المُتَفَرِّدُ بِصِفاتِ الكَمالِ؛ ﴿مَثَلا﴾؛ لِهَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ؛ مَعَ أنَّهُ لا يَشُكُّ ذُو عَقْلٍ أنَّ المُشْرِكَ لا يُدانِي المُخْلِصَ؛ فَضْلًا عَنْ أنْ يَقُولَ: إنَّ المُشْرِكَ أعْظَمُ؛ كَما يَقُولُهُ المُشْرِكُونَ؛ ولَمّا كانَ الذَّكَرُ أقْوى مِنَ الأُنْثى؛ وأعْرَفَ بِمَواقِعِ النَّفْعِ؛ والضُّرِّ؛ وكانَ كَوْنُهُ بالِغًا أعْظَمَ لِقُوَّتِهِ؛ وأشَدَّ لِشَكِيمَتِهِ؛ فَيَكُونُ أنْفى لِلْعارِ عَنْ نَفْسِهِ؛ وأدْفَعَ لِلظُّلْمِ عَنْ جانِبِهِ؛ وأذَبَّ عَنْ حِماهُ؛ قالَ - مُبَيِّنًا لِلْمَثَلِ؛ مُشِيرًا إلى تَبْكِيتِ الكُفّارِ؛ ورِضاهم لِأنْفُسِهِمْ بِما لا يَرْضاهُ لِنَفْسِهِ (p-٤٩٨)أدْنى الأرِقّاءِ -: ﴿رَجُلا فِيهِ﴾؛ أيْ: خاصَّةً؛ ولَمّا كانَتْ مَعْبُوداتُهم - لِكَوْنِها مِن جُمْلَةِ المَخْلُوقاتِ - كَثِيرَةَ الأشْباهِ والنَّظائِرِ؛ عَبَّرَ عَنْها بِجَمْعِ الكَثْرَةِ؛ فَقالَ: ﴿شُرَكاءُ﴾؛ في الظّاهِرِ مِنَ الأصْنامِ؛ وفي الباطِنِ مِنَ الحُظُوظِ والشَّهَواتِ؛ ووَصَفَ الشُّرَكاءَ بِقَوْلِهِ: ﴿مُتَشاكِسُونَ﴾؛ أيْ: مُخْتَلِفُونَ؛ عَسِرُونَ؛ يَتَجاذَبُونَ؛ مَعَ سُوءِ الأخْلاقِ؛ وضِيقِها؛ وقَباحَةِ الشَّرِكَةِ؛ فَلَيْسَ أحَدٌ مِنهم يَرْضى بِالإنْصافِ؛ فَهو لا يَقْدِرُ أنْ يُرْضِيَهم أصْلًا؛ ﴿ورَجُلا سَلَمًا﴾ أيْ: مِن نِزاعٍ؛ ﴿لِرَجُلٍ﴾؛ فَلَيْسَ فِيهِ لِغَيْرِهِ شَرِكَةٌ؛ ولا عَلاقَةٌ أصْلًا؛ فَهو أجْدَرُ بِأنْ يَقْدِرَ عَلى رِضاهُ؛ مَعَ راحَتِهِ مِن تَجاذُبِ الشُّرَكاءِ - هَذا عَلى قِراءَةِ المَكِّيِّ؛ والبَصْرِيِّ؛ وعَلى قِراءَةِ الباقِينَ بِحَذْفِ الألِفِ؛ وفَتْحِ اللّامِ؛ وهو وصْفٌ بِالمَصْدَرِ؛ عَلى المُبالَغَةِ. ولَمّا انْكَشَفَ الحالُ فِيها جِدًّا؛ قالَ: ﴿هَلْ يَسْتَوِيانِ﴾؛ أيْ: الرَّجُلانِ؛ يَكُونُ أحَدُهُما مُساوِيًا لِلْآخَرِ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ؛ ولَوْ بِغايَةِ الجُهْدِ والعِنايَةِ؛ ولَمّا كانَ الِاسْتِواءُ مُبْهَمًا قالَ: ﴿مَثَلا﴾؛ أيْ: مِن جِهَةِ المَثَلِ؛ أيْ: هَلْ يَسْتَوِي مَثَلُهُما؛ أيْ يَجْمَعُهُما مَثَلٌ واحِدٌ؛ حَتّى إنْ يَكُونا هُما مُتَساوِيَيْنِ؛ فَهو تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ في الأصْلِ عَنِ الفاعِلِ؛ والجَوابُ في هَذا الِاسْتِفْهامِ الإنْكارِيِّ قَطْعًا: لا سَواءَ؛ بَلْ مَثَلُ الرَّجُلِ السّالِمِ في غايَةِ الحُسْنِ؛ فَكَذا مَمْثُولُهُ؛ وهو القانِتُ المُخْلِصُ؛ ومَثَلُ الرَّجُلِ الَّذِي وقَعَ فِيهِ التَّشاكُسُ في غايَةِ القُبْحِ؛ فَكَذا مَمْثُولُهُ؛ وهو الدّاعِي لِلْأنْدادِ. (p-٤٩٩)ولَمّا عُلِمَ بِهَذا المَثَلِ المَضْرُوبِ لِلرَّجُلَيْنِ سُفُولُ المُشْتَرِكِ؛ وهو الدّاعِي لِلْأنْدادِ؛ وعُلُوُّ السّالِمِ؛ وهو القانِتُ؛ ظَهَرَ بِذَلِكَ؛ بِلا رَيْبٍ؛ حَقارَةُ المُتَشارِكِينَ؛ وجَلالَةُ المُتَفَرِّدِ؛ وهو اللَّهُ؛ فَأنْتَجَ قَطْعًا قَوْلَهُ: ﴿الحَمْدُ﴾؛ أيْ: الإحاطَةُ بِأوْصافِ الكَمالِ؛ ﴿لِلَّهِ﴾؛ الَّذِي لا مُكافِئَ لَهُ؛ يَعْلَمُ ذَلِكَ كُلُّ أحَدٍ؛ لِما لَهُ مِنَ الظُّهُورِ؛ لِما عَلَيْهِ مِنَ الدَّلائِلِ؛ فَلا يَصِحُّ أنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ؛ ﴿بَلْ أكْثَرُهُمْ﴾؛ أيْ: النّاسِ؛ ﴿لا يَعْلَمُونَ﴾؛ لِأنَّهم يَعْمَلُونَ بِما لا يَلِيقُ بِهَذا العِلْمِ؛ فَيُشْرِكُونَ بِهِ؛ إمّا جَلِيًّا؛ وإمّا خَفِيًّا؛ ويَجُوزُ أنْ يُقالَ: لَهُ الكَمالُ كُلُّهُ؛ فَلَيْسَ المُلْتَفِتُونَ إلى غَيْرِهِ أدْنى التِفاتٍ عُلَماءَ؛ بَلْ لا عِلْمَ لَهم أصْلًا؛ وهُمُ المُشْرِكُونَ شِرْكًا جَلِيًّا؛ وأمّا أصْحابُ الشِّرْكِ الخَفِيِّ فَهم - وإنْ كانَ لَهم عِلْمٌ - فَلَيْسَ بِكامِلٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب