الباحث القرآني

ولَمّا خَصَّ - سُبْحانَهُ - البِشارَةَ بِالمُحْسِنِينَ؛ عُلِمَ أنَّ غَيْرَهم قَدْ حُكِمَ بِشَقاوَتِهِ؛ (p-٤٨١)وكانَ ﷺ لِما جُبِلَ عَلَيْهِ مِن عَظِيمِ الرَّحْمَةِ؛ ومَزِيدِ الشَّفَقَةِ؛ جَدِيرًا بِالأسَفِ عَلى مَن أعْرَضَ؛ سَبَّبَ عَنْ أسَفِهِ عَلَيْهِمْ قَوْلَهُ: ﴿أفَمَن حَقَّ﴾؛ وأسْقَطَ تاءَ التَّأْنِيثِ الدّالَّةِ عَلى اللِّينِ؛ تَأْكِيدًا لِلنَّهْيِ عَنِ الأسَفِ عَلَيْهِمْ؛ ﴿عَلَيْهِ كَلِمَةُ العَذابِ﴾؛ بِإبائِهِ؛ وتَوَلِّيهِ؛ فَكانَ لِذَلِكَ مُنْغَمِسًا في النّارِ؛ الَّتِي أبْرَمْنا القَضاءَ بِأنَّها جَزاءُ الفُجّارِ؛ لا يُمْكِنُ إنْقاذُهُ مِنها؛ أفَأنْتَ تُنْقِذُهُ مِن إعْراضِهِ الَّذِي غَمَسَهُ في النّارِ؟ ثُمَّ دَلَّ عَلى هَذا الَّذِي قَدَّرْتُهُ بِقَوْلِهِ - مُؤَكِّدًا بِإعادَةِ حَرْفِ الِاسْتِفْهامِ؛ لِأجْلِ طُولِ الكَلامِ؛ ولِتَهْوِيلِ الأمْرِ؛ وتَفْخِيمِهِ؛ لِلنَّهْيِ عَنْ تَعْلِيقِ الهَمِّ بِهِمْ؛ لِما عِنْدَهُ ﷺ مِن جِبِلَّةِ العَطْفِ؛ والرِّقَّةِ عَلى عِبادِ اللَّهِ -: ﴿أفَأنْتَ تُنْقِذُ﴾؛ أيْ: تُخَلِّصُ؛ وتَمْنَعُ؛ وتُنْجِي؛ ووَضَعَ مَوْضِعَ ضَمِيرِهِ قَوْلَهُ - شَهادَةً عَلَيْهِ بِما هو مُسْتَحِقُّهُ؛ ولا يُمْكِنُ غَيْرَ اللَّهِ فَكُّهُ مِنهُ -: ﴿مَن في النّارِ﴾؛ مُتَمَكِّنًا فِيها؛ شَدِيدَ الِانْغِماسِ في طَبَقاتِها؛ والرُّسُوخِ؛ بِحَيْثُ إنَّها قَدْ أحاطَتْ بِهِ مِن كُلِّ جانِبٍ؛ وكانَ الأصْلُ: أنْتَ تُنْقِذُ مَن حَقَّ عَلَيْهِ العَذابُ؟ فَقَدَّمَ المَفْعُولَ وجَعَلَهُ عُمْدَةَ الكَلامِ؛ لِيَقْرَعَ السَّمْعَ؛ ويُتَرَقَّبَ الخَبَرُ عَنْهُ؛ ثُمَّ حَذَفَ خَبَرَهُ لِيَكُونَ أهْوَلَ؛ فَتَذْهَبَ النَّفْسُ فِيهِ كُلَّ مَذْهَبٍ؛ ثُمَّ أنْكَرَ أنْ يَكُونَ أعْلى الخَلْقِ يُنْقِذُهُ؛ فَغَيْرُهُ مِن بابِ الأوْلى؛ فَصارَ الكَلامُ بِذَلِكَ مِنَ الرَّوْنَقِ؛ والبَهْجَةِ؛ والهَوْلِ؛ والإرْهابِ؛ ما لا يَقْدِرُ البَشَرُ عَلى مِثْلِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب