الباحث القرآني

ثُمَّ زادَ في إيضاحِ العُمُومِ بِالِاسْتِثْناءِ؛ الَّذِي هو مِعْيارُهُ؛ فَقالَ: ﴿إلا إبْلِيسَ﴾؛ عَبَّرَ عَنْهُ بِهَذا الِاسْمِ؛ لِكَوْنِهِ مِنَ الإبْلاسِ؛ وهو انْقِطاعُ الرَّجاءِ؛ إشارَةً إلى أنَّهُ في أوَّلِ خِطابِ اللَّهِ لَهُ بِالإنْكارِ عَلَيْهِ؛ عَلى كَيْفِيَّةٍ عُلِمَ مِنها تَأبُّدُ الغَضَبِ عَلَيْهِ؛ وتَحَتُّمُ العُقُوبَةِ لَهُ. ولَمّا عُرِفَ بِالِاسْتِثْناءِ أنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ؛ وكانَ مَبْنى السُّورَةِ عَلى اسْتِكْبارِ الكَفَرَةِ؛ بِكَوْنِهِمْ في عِزَّةٍ وشِقاقٍ؛ بَيَّنَ أنَّ المانِعَ لَهُ مِنَ السُّجُودِ (p-٤٢١)الكِبْرُ؛ تَنْفِيرًا عَنْهُ؛ مُقْتَصِرًا في شَرْحِ الِاخْتِصامِ عَلَيْهِ؛ وعَلى ما يَتَّصِلُ بِهِ؛ فَقالَ: ﴿اسْتَكْبَرَ﴾؛ أيْ: طَلَبَ أنْ يَكُونَ أكْبَرَ مِن أنْ يُؤْمَرَ بِالسُّجُودِ لَهُ؛ وأوْجَدَ الكِبْرَ عَلى أمْرِ اللَّهِ؛ وكانَ مِنَ المُسْتَكْبِرِينَ العَرِيقِينَ في هَذا الوَصْفِ؛ كَما اسْتَكْبَرْتُمْ أيُّها الكَفَرَةُ عَلى رَسُولِنا؛ وسَنَرْفَعُ رَسُولَنا ﷺ؛ كَما رَفَعْنا آدَمَ صَفِيَّنا - عَلَيْهِ السَّلامُ -؛ عَلى مَنِ اسْتَكْبَرَ عَنِ السُّجُودِ لَهُ؛ ونَجْعَلُهُ خَلِيفَةَ هَذا الوُجُودِ؛ كَما جَعَلْنا آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ -؛ وأشَرْنا إلى ذَلِكَ في هَذِهِ السُّورَةِ بِافْتِتاحِها بِخَلِيفَةٍ؛ واخْتِتامِها بِخَلِيفَةٍ؛ أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِذِكْرِ كُلٍّ مِن أحْوالِهِما. ولَمّا كانَ الفِعْلُ الماضِي رُبَّما أوْهَمَ أنَّهُ حَدَثَ فِيهِ وصْفٌ لَمْ يَكُنْ؛ وكانَ التَّقْدِيرُ: ”فَكَفَرَ بِذَلِكَ“؛ عَطَفَ عَلَيْهِ - بَيانًا لِأنَّهُ جُبِلَ عَلى الكُفْرِ؛ ولَمْ يَحْدُثْ مِنهُ إلّا ظُهُورُ ذَلِكَ لِلْخَلْقِ - قَوْلَهُ: ﴿وكانَ﴾؛ أيْ: جِبِلَّةً وطَبْعًا؛ ﴿مِنَ الكافِرِينَ﴾؛ أيْ: عَرِيقًا في وصْفِ الكُفْرِ؛ الَّذِي مَنشَؤُهُ الكِبْرُ عَلى الحَقِّ؛ المُسْتَلْزِمُ لِلذُّلِّ لِلْباطِلِ؛ فالآيَةُ مِنَ الِاحْتِباكِ: ذَكَرَ فِعْلَ الِاسْتِكْبارِ أوَّلًا؛ دَلِيلًا عَلى فِعْلِ الكُفْرِ ثانِيًا؛ ووَصْفَ الكُفْرِ ثانِيًا؛ دَلِيلًا عَلى وصْفِ الِاسْتِكْبارِ أوَّلًا؛ وسِرُّ ذَلِكَ أنَّ ما ذَكَرَهُ أقْعَدُ في التَّحْذِيرِ بِأنَّ مَن وقَعَ مِنهُ كِبْرٌ جَرَّهُ إلى الكُفْرِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب