الباحث القرآني

ولَمّا كانَ مِمّا أفْهَمَهُ الكِتابُ في هَذا الخِطابِ أنَّ الطّاغِينَ الدّاخِلِينَ إلى جَهَنَّمَ أصْنافٌ كَثِيرَةٌ؛ وكانَتِ العادَةُ جارِيَةً بِأنَّ الأصْنافَ إذا اجْتَمَعُوا (p-٤٠٧)كانَتْ مُحاوَراتٌ؛ ولا سِيَّما إنْ كانُوا مِنَ الطُّغاةِ العُتاةِ؛ تَحَرَّكَ السّامِعُ إلى تَعَرُّفِ ذَلِكَ؛ فَقالَ (تَعالى) - مُسْتَأْنِفًا جَوابَهُ بِما يَدُلُّ عَلى تَقاوُلِهِمْ بِأقْبَحِ المُقاوَلَةِ؛ وهو التَّخاصُمُ النّاشِئُ عَنِ التَّباغُضِ؛ والتَّدابُرِ؛ الَّذِي مِن شَأْنِهِ أنْ يَقَعَ بَيْنَ الَّذِينَ دَبَّرُوا أمْرًا فَعادَ عَلَيْهِمْ بِالوَبالِ؛ في أنَّ كُلًّا مِنهم يُحِيلُ ما وقَعَ بِهِ العَكْسَ عَلى صاحِبِهِ؛ وذَلِكَ أشَدُّ لِعَذابِهِمْ -: ﴿هَذا﴾؛ أيْ: قالَ أطْغى الطُّغاةِ - لَمّا دَخَلُوها أوَّلًا؛ كَما هم أهْلٌ لَهُ؛ لِأنَّهم ضالُّونَ مُضِلُّونَ؛ ورَأوْا جَمْعًا مِنَ الأتْباعِ داخِلًا عَلَيْهِمْ -: هَذا ﴿فَوْجٌ﴾؛ أيْ: جَماعَةٌ كَثِيفَةٌ؛ مُشاةٌ مُسْرِعُونَ؛ ولَمّا كانُوا يَدْخُلُونَها مِن شِدَّةٍ ما تَدْفَعُهُمُ الزَّبانِيَةُ عَلى هَيْئَةِ الواثِبِ؛ قالَ - مُشِيرًا بِالتَّعْبِيرِ بِالوَصْفِ مُفْرِدًا؛ إلى أنَّهم في المُوافَقَةِ فِيهِ والتَّسابُقِ كَأنَّهم نَفْسٌ واحِدَةٌ -: ﴿مُقْتَحِمٌ﴾؛ أيْ: رامٍ بِنَفْسِهِ في الشِّدَّةِ بِشِدَّةِ فُجاءَةٍ؛ بِلا رَوِيَّةٍ؛ كائِنًا ﴿مَعَكُمْ﴾ ولَمّا كانَ أهْلُ النّارِ يُؤْذِي بَعْضُهم بَعْضًا بِالشَّهِيقِ؛ والزَّفِيرِ؛ والزِّحامِ؛ والدِّفاعِ؛ والبُكاءِ؛ والعَوِيلِ؛ وما يَسِيلُ مِن بَعْضِهِمْ عَلى بَعْضٍ مِنَ القَيْحِ؛ والصَّدِيدِ؛ وغَيْرِ ذَلِكَ مِن أنْواعِ النَّكَدِ؛ ولا سِيَّما إنْ كانُوا أتْباعًا لَهم في الدُّنْيا؛ فَصارُوا مِثْلَهم في ذَلِكَ الدُّخُولِ في الرُّتْبَةِ؛ لا يَتَحاشَوْنَ عَنْ دِفاعِهِمْ؛ وخِصامِهِمْ؛ ونِزاعِهِمْ؛ قالُوا - اسْتِئْنافًا -: ﴿لا مَرْحَبًا﴾؛ ثُمَّ بَيَّنُوا المَدْعُوَّ عَلَيْهِ؛ فَقالُوا: ﴿بِهِمْ﴾؛ وهي كَلِمَةٌ واقِعَةٌ في أتَمِّ مَواقِعِها؛ لِأنَّها دالَّةٌ عَلى (p-٤٠٨)التَّضَجُّرِ والبِغْضَةِ؛ مَعَ الصِّدْقِ في أهْلِ مَدْلُولِها؛ الَّذِي هو مُصادَقَةُ الضِّيقِ؛ ”مَفْعَلٌ“؛ مِن ”الرُّحْبُ“؛ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ؛ وهو السَّعَةُ؛ أيْ لا كانَ بِهِمْ سَعَةٌ أصْلًا؛ ولا اتَّسَعَتْ بِهِمْ هَذِهِ الأماكِنُ؛ ولا هَذِهِ الأزْمانُ؛ ولا حَصَلَتْ لَهم ولا بِهِمْ راحَةٌ؛ ولِذَلِكَ عَلَّلُوا اسْتِحْقاقَهم لِهَذا الدُّعاءِ بِقَوْلِهِمْ - مُؤَكِّدِينَ لِما كانَ اسْتَقَرَّ في نُفُوسِهِمْ؛ وتَطاوَلَ عَلَيْهِ الزَّمانُ؛ مِن إنْكارِهِمْ لَهُ -: ﴿إنَّهم صالُو النّارِ﴾؛ أيْ: ومَن صَلِيَها صادَفَ مِنَ الضِّيقِ ما لَمْ يُصادِفْهُ أحَدٌ؛ وآذى كُلَّ مَن جاوَرَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب