الباحث القرآني

ولَمّا كانَ جَعْلُ المُنْذِرِ مِنهم لَيْسَ مَحَلًّا لِلْعَجَبِ؛ فَعَدُّوهُ عَجَبًا؛ لِما ظَهَرَ (p-٣٢٧)مِن تَقْسِيمِهِمُ القَوْلَ فِيهِ؛ عَجَّبَ مِنهم في قَوْلِهِ: ﴿وعَجِبُوا أنْ﴾؛ أيْ: لِأجْلِ أنْ؛ ﴿جاءَهُمْ﴾؛ ولَمّا كانَ تَعَجُّبُهم مِن مُطْلَقِ نِذارَتِهِ لا مُبالَغَتِهِ فِيها؛ أتى بِاسْمِ الفاعِلِ دُونَ ”فَعِيلٌ“؛ فَقالَ: ﴿مُنْذِرٌ مِنهُمْ﴾؛ أيْ: مِنَ البَشَرِ؛ ثُمَّ مِنَ العَرَبِ؛ ثُمَّ مِن قُرَيْشٍ؛ ولَمْ يَكُنْ مِنَ المَلائِكَةِ مَثَلًا؛ وكانَ يَنْبَغِي لَهم ألّا يَعْجَبُوا مِن ذَلِكَ؛ فَإنَّ كَوْنَ النَّذِيرِ بِما يَحِلُّ مِنَ المَصائِبِ مِنَ القَوْمِ المُنْذَرِينَ - مَعَ كَوْنِهِ أشْرَفَ لَهم - أقْعَدَ في النِّذارَةِ؛ لِأنَّهم أعْرَفُ بِهِ؛ وبِما هو مُنْطَوٍ عَلَيْهِ مِن صِدْقٍ؛ وشَفَقَةٍ؛ وغَيْرِ ذَلِكَ؛ وهو الَّذِي جَرَتْ بِهِ العَوائِدُ في القَدِيمِ؛ والحَدِيثِ؛ لِكَوْنِهِمْ إلَيْهِ أمْيَلَ؛ فَهم لِكَلامِهِ أقْبَلُ. ولَمّا كانُوا أعْرَفَ النّاسِ بِهَذا النَّذِيرِ ﷺ في أنَّهُ أصْدَقُهم لَهْجَةً؛ وأعْلاهم هِمَّةً؛ وأنَّهُ مَنفِيٌّ عَنْهُ كُلُّ نَقِيصَةٍ ووَصْمَةٍ؛ زادَ في التَّعْجِيبِ بِأنْ قالَ - مُعَبِّرًا بِالواوِ؛ دُونَ الفاءِ؛ لِأنَّ وصْفَهم لَهُ بِالسِّحْرِ لَيْسَ شَبِيهَ هَذا العَجَبِ -: ﴿وقالَ﴾؛ ولَمّا كانُوا يَسْتُرُونَ الحَقَّ مَعَ مَعْرِفَتِهِمْ إيّاهُ؛ فَهم جاحِدُونَ؛ لا جاهِلُونَ؛ ومُعانِدُونَ؛ لا غافِلُونَ؛ أظْهَرَ مَوْضِعَ الإضْمارِ؛ (p-٣٢٨)إشارَةً إلى ذَلِكَ؛ وإيذانًا بِشَدِيدِ غَضَبِهِ؛ في قَوْلِهِ: ﴿الكافِرُونَ هَذا﴾؛ أيْ: النَّذِيرُ. ولَمّا كانَ ما يُبْدِيهِ مِنَ الخَوارِقِ إعْجازًا فِعْلًا؛ وقَوْلًا؛ يَجْذِبُ القُلُوبَ؛ وكانَ أقْرَبُ ما يَقْدَحُونَ بِهِ فِيهِ السِّحْرَ؛ قَذَفُوهُ بِهِ؛ ولَمْ يُعَبِّرُوا بِصِيغَةِ مُبالَغَةٍ؛ لِئَلّا يَكُونَ ذَلِكَ إيضاحًا جاذِبًا لِلْقُلُوبِ إلَيْهِ؛ فَقالُوا: ﴿ساحِرٌ﴾؛ أيْ: لِأنَّهُ يُفَرِّقُ بِما أتى بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وزَوْجِهِ؛ فاعْتَرَفُوا - مَعَ نِسْبَتِهِمْ لَهُ إلى السِّحْرِ؛ وهم يَعْلَمُونَ أنَّهم كاذِبُونَ في ذَلِكَ - أنَّ ما أتى بِهِ فَوْقَ ما لَهم مِنَ القُوى؛ ﴿كَذّابٌ﴾؛ أيْ: في ادِّعائِهِ أنَّ ما سَحَرَ بِهِ حَقٌّ؛ لَيْسَ هو كَسِحْرِ السَّحَرَةِ؛ وأتَوْا بِوَقاحَةٍ بِصِيغَةِ المُبالَغَةِ؛ وقَدْ كانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يُسَمُّونَهُ الأمِينَ؛ وهم يَعْلَمُونَ أنَّهُ لَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ شَيْءٌ إلّا إتْيانُهُ بِأصْدَقِ الصِّدْقِ؛ وأحَقِّ الحَقِّ؛ مَعَ تَرَقِّيهِ في مَعارِجِ الكَمالِ مِن غَيْرِ خَفاءٍ عَلى أحَدٍ لَهُ أدْنى تَأمُّلٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب