الباحث القرآني
ولَمّا ثَبَتَ بِما ذَكَرَ مِن أوَّلِ السُّورَةِ إلى هُنا ما ذَكَرَ في هَذا الذِّكْرِ مِنَ البَراهِينِ؛ الَّتِي لا يَأْباها إلّا مَدْخُولُ الفِكْرِ؛ مَخالَطُ العَقْلِ؛ ثَبَتَ أنَّهُ ذُو الذِّكْرِ والشَّرَفِ الأعْظَمِ؛ فَقالَ (تَعالى) - مُنَبِّهًا عَلى ذَلِكَ تَنْبِيهًا عَلى أنَّهُ القانُونُ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ الصَّلاحُ لِيُتَّبَعَ؛ والفَسادَ لِيُجْتَنَبَ؛ مُخْبِرًا عَنْ مُبْتَدَإٍ تَقْدِيرُهُ: ”هُوَ“ -: ﴿كِتابٌ﴾؛ أيْ: لَهُ مِنَ العَظَمَةِ ما لا يُحاطُ بِهِ؛ ووَصَفَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿أنْـزَلْناهُ﴾؛ أيْ: بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ؛ ﴿إلَيْكَ﴾؛ وذَلِكَ مِن عَظَمَتِهِ؛ لِأنَّكَ أعْظَمُ الخَلْقِ؛ ثُمَّ أخْبَرَ عَنْ مُبْتَدَإٍ آخَرَ؛ مُبَيِّنٍ لِما قَبْلَهُ؛ عَلى طَرِيقِ الِاسْتِئْنافِ؛ فَقالَ: ﴿مُبارَكٌ﴾؛ أيْ: دائِمُ الخَيْرِ؛ كَثِيرُ النَّفْعِ؛ ثابِتٌ كُلُّ ما فِيهِ ثَباتًا لا يَزُولُ أبَدًا؛ ولا يَنْسَخُهُ كِتابٌ؛ ولا شَيْءٌ.
ولَمّا ذَكَرَ ما لَهُ مِنَ العَظَمَةِ؛ إشارَةً وعِبارَةً؛ ذَكَرَ غايَةَ إنْزالِهِ المَأْمُورَ بِها؛ فَقالَ: ﴿لِيَدَّبَّرُوا﴾؛ بِالفَوْقانِيَّةِ؛ وتَخْفِيفِ الدّالِ؛ بِالخِطابِ؛ (p-٣٧٥)فِي قِراءَةِ أبِي جَعْفَرٍ؛ مُشَرِّفًا لِلْأُمَّةِ؛ بِضَمِّهِمْ بِالخِطابِ إلى حَضْرَتِهِ الشَّمّاءِ ﷺ؛ ولافِتًا لِلْقَوْلِ؛ في قِراءَةِ الجَماعَةِ؛ بِالغَيْبِ وتَشْدِيدِ الدّالِ؛ إلى مَن يَحْتاجُ إلى التَّنْبِيهِ عَلى العِلَلِ؛ لِما لَهُ مِنَ الشَّواغِلِ المُوقِعَةِ في الخَلَلِ؛ وأمّا هو ﷺ فَفي غايَةِ الإنْعامِ لِلنَّظَرِ؛ والتَّدَبُّرِ بِأجْلى الفِكَرِ؛ مِن حِينِ الإنْزالِ؛ لِعِلْمِهِ بِعِلَّةِ الإنْزالِ؛ بِحَيْثُ إنَّهُ مِن شِدَّةِ إتْعابِهِ لِنَفْسِهِ الشَّرِيفَةِ أُمِرَ بِالتَّخْفِيفِ؛ وضَمِنَ لَهُ (تَعالى) جَمْعَهُ وقُرْآنَهُ؛ ﴿آياتِهِ﴾؛ أيْ: لِيَنْظُرُوا في عَواقِبِ كُلِّ آيَةٍ؛ وما تُؤَدِّي إلَيْهِ؛ وتُوصِلُ إلَيْهِ مِنَ المَعانِي الباطِنَةِ؛ الَّتِي أشْعَرَ بِها طُولُ التَّأمُّلِ في الظّاهِرِ؛ فَمَن رَضِيَ بِالِاقْتِصارِ عَلى حِفْظِ حُرُوفِهِ كانَ كَمَن لَهُ لِقْحَةٌ دَرُورٌ لا يَحْلِبُها؛ ومُهْرَةٌ نَتُوجٌ لا يَسْتَوْلِدُها؛ وكانَ جَدِيرًا بِأنْ يُضَيِّعَ حُدُودَهُ؛ فَيَخْسَرَ خُسْرانًا مُبِينًا.
ولَمّا كانَ كُلُّ أحَدٍ مَأْمُورًا بِأنْ يَنْتَبِهَ؛ بِكُلِّ ما يَرى ويَسْمَعُ؛ عَلى ما وراءَهُ؛ ولَمْ يَكُنْ في وُسْعِ كُلِّ أحَدٍ الوُصُولُ إلى النِّهايَةِ في ذَلِكَ؛ قَنَعَ مِنهم بِما دُونَها؛ فَأُدْغِمَتْ تاءُ ”التَّفَعُّلِ“؛ في فاءِ الكَلِمَةِ؛ إشارَةً إلى ذَلِكَ؛ كَما تُشِيرُ إلَيْهِ قِراءَةُ أبِي جَعْفَرٍ؛ ورُبَّما كانَتْ قِراءَةُ الجَماعَةِ إشارَةً إلى الِاجْتِهادِ في فَهْمِ (p-٣٧٦)خَفاياهُ؛ واللَّهُ أعْلَمُ.
ولَمّا كانَ السِّياقُ لِلذِّكْرِ؛ وأُسْنِدَ إلى خُلاصَةِ الخَلْقِ؛ وكانَ اسْتِحْضارُ ما كانَ عِنْدَ الإنْسانِ وغَفَلَ عَنْهُ لا يَشُقُّ؛ لِظُهُورِهِ؛ أظْهَرَ التّاءَ؛ حَثًّا عَلى بَذْلِ الجُهْدِ في إعْمالِ الفِكْرِ؛ والمُداوَمَةِ عَلى ذَلِكَ؛ فَإنَّهُ يُفْضِي بَعْدَ المُقَدِّماتِ الظَّنِّيَّةِ إلى أُمُورٍ يَقِينِيَّةٍ؛ قَطْعِيَّةٍ؛ إمّا مَحْسُوسَةٍ؛ أوْ لَها شاهِدٌ في الحِسِّ؛ فَقالَ: ﴿ولِيَتَذَكَّرَ﴾؛ أيْ: بَعْدَ التَّدَبُّرِ؛ تَذَكُّرًا عَظِيمًا جَلِيًّا - بِما أشارَ إلَيْهِ الإظْهارُ -؛ ﴿أُولُو الألْبابِ﴾؛ أيْ: كُلَّ ما أرْشَدَ إلَيْهِ؛ مِمّا عَرَّفَهُ اللَّهُ لَهم في أنْفُسِهِمْ؛ وفي الآفاقِ؛ فَإنَّهم يَجِدُونَ ذَلِكَ مَعْلُومًا لَهُمْ؛ بِحِسٍّ أوْ غَيْرِهِ؛ في أنْفُسِهِمْ؛ أوْ غَيْرِها؛ لا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِمّا في القُرْآنِ عَنِ النَّظَرِ إلى شَيْءٍ مَعْلُومٍ لِلْإنْسانِ؛ لا نِزاعَ لَهُ فِيهِ أصْلًا؛ ولَكِنَّ اللَّهَ (تَعالى) يُبْدِيهِ لِمَن يَشاءُ؛ ويُخْفِيهِ عَمَّنْ يَشاءُ: ”سَنُرِيهِمْ آياتِنا في الآفاقِ وفي أنْفُسِهِمْ“؛ وأظْهَرُهُ يَوْمُ القِيامَةِ؛ فَإنَّهُ مَرْكُوزٌ في طَبْعِ كُلِّ أحَدٍ أنَّ الرَّئِيسَ لا يَدَعُ مَن تَحْتَ يَدِهِ بِغَيْرِ حِسابٍ أصْلًا.
{"ayah":"كِتَـٰبٌ أَنزَلۡنَـٰهُ إِلَیۡكَ مُبَـٰرَكࣱ لِّیَدَّبَّرُوۤا۟ ءَایَـٰتِهِۦ وَلِیَتَذَكَّرَ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق