الباحث القرآني

﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ بِما يُظْهِرُونَ مِن تَكْذِيبِهِ؛ ﴿فِي عِزَّةٍ﴾؛ أيْ: عُسْرٍ؛ وصُعُوبَةٍ؛ ومُغالَبَةٍ بِحَمِيَّةِ الجاهِلِيَّةِ؛ مَظْرُوفُونَ لَها؛ فَهي مُعَمِّيَةٌ لَهم عَنِ الحَقِّ؛ لِإحاطَتِها بِهِمْ؛ وأنَّثَها إشارَةً إلى ضَعْفِها؛ وبِشارَةً بِسُرْعَةِ زَوالِها وانْقِلابِها إلى ذُلٍّ؛ ﴿وشِقاقٍ﴾؛ أيْ: إعْراضٍ؛ وامْتِناعٍ؛ واسْتِكْبارٍ عَلى قَبُولِ الصِّدْقِ مِن لِسانَيِ الحالِ؛ الَّذِي أفْصَحَ بِهِ الوُجُودُ؛ والقالِ؛ الَّذِي (p-٣٢٤)صَرَّحَ بِهِ الذِّكْرُ؛ فَهَداهم إلى ما هو في فِطَرِهِمْ؛ وجِبِلّاتِهِمْ؛ بِأرْشَقِ عِبارَةٍ؛ وأوْضَحِ إشارَةٍ؛ لَوْ كانُوا يَعْقِلُونَ؛ فَأعْرَضُوا عَنْ تَدَبُّرِهِ عِنادًا مِنهُمْ؛ لا اعْتِقادًا: ﴿فَإنَّهم لا يُكَذِّبُونَكَ ولَكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [الأنعام: ٣٣] وتَنْكِيرُهُما لِلتَّعْظِيمِ؛ قالَ الرّازِيُّ: حَذَفَ الجَوابَ لِيَذْهَبَ فِيهِ القَلْبُ كُلَّ مَذْهَبٍ؛ لِيَكُونَ أغْزَرَ؛ وبُحُورُهُ أزْخَرَ؛ انْتَهى. وقالَ الإمامُ أبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ: لَمّا ذَكَرَ (تَعالى) حالَ الأُمَمِ السّالِفَةِ مَعَ أنْبِيائِهِمْ في العُتُوِّ؛ والتَّكْذِيبِ؛ وأنَّ ذَلِكَ أعْقَبَهُمُ الأخْذَ الوَبِيلَ والطَّوِيلَ؛ كانَ هَذا مَظِنَّةً لِتَذْكِيرِ حالِ مُشْرِكِي العَرَبِ؛ وبَيانِ سُوءِ مُرْتَكَبِهِمْ؛ وأنَّهم قَدْ سَبَقُوا إلى ذَلِكَ الِارْتِكابِ؛ فَحَلَّ بِالمُعانِدِ سُوءُ العَذابِ؛ فَبَسَطَ حالَ هَؤُلاءِ؛ وسُوءَ مَقالِهِمْ؛ لِيُعْلَمَ أنَّهُ لا فارِقَ بَيْنَهم وبَيْنَ مُكَذِّبِي الأُمَمِ السّالِفَةِ؛ في اسْتِحْقاقِ العَذابِ؛ وسُوءِ الِانْقِلابِ؛ وقَدْ وقَعَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهم قَوْمُ نُوحٍ وعادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو الأوْتادِ﴾ [ص: ١٢]؛ إلى قَوْلِهِ: ﴿إنْ كُلٌّ إلا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ﴾ [ص: ١٤]؛ ولَمّا أتْبَعَ - سُبْحانَهُ - هَذا بِذِكْرِ اسْتِعْجالِهِمْ؛ في قَوْلِهِ: ﴿عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الحِسابِ﴾ [ص: ١٦]؛ أتْبَعَ ذَلِكَ بِأمْرِ نَبِيِّهِ ﷺ بِالصَّبْرِ؛ فَقالَ: ﴿اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ﴾ [ص: ١٧]؛ ثُمَّ آنَسَهُ بِذِكْرِ الأنْبِياءِ؛ وحالِ المُقَرَّبِينَ الأصْفِياءِ؛ ﴿وكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِن أنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ﴾ [هود: ١٢٠]؛ انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب