الباحث القرآني
ولَمّا كانَ الإنْسانُ لا يَزالُ يَتَقَرَّبُ إلى اللَّهِ (تَعالى) حَتّى يُحِبَّهُ؛ فَإذا أحَبَّهُ صارَ يَفْعَلُ بِهِ - سُبْحانَهُ -؛ وظَهَرَتْ عَلى يَدَيْهِ الخَوارِقُ؛ قالَ - مُسْتَأْنِفًا؛ جَوابًا لِمَن سَألَ عَنْ جَزائِهِ عَلى ذَلِكَ الجِهادِ؛ مُؤَكِّدًا لَهُ؛ لِما طُبِعَ عَلَيْهِ البَشَرُ مِن إنْكارِ الخَوارِقِ؛ لِتَقَيُّدِهِ بِالمَأْلُوفاتِ -: ﴿إنّا﴾؛ أيْ: عَلى ما لَنا مِنَ العَظَمَةِ؛ الَّتِي لا يُعْجِزُها شَيْءٌ؛ ﴿سَخَّرْنا الجِبالَ﴾؛ أيْ: الَّتِي هي أقْسى مِن قُلُوبِ قَوْمِكَ؛ فَإنَّها أعْظَمُ الأراضِي صَلابَةً؛ وقُوَّةً؛ وعُلُوًّا؛ ورِفْعَةً؛ بِأنْ جَعَلْناها مُنْقادَةً ذَلُولًا كالجَمَلِ الأنِفِ؛ ثُمَّ قَيَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿مَعَهُ﴾؛ أيْ: مُصاحِبَةً لَهُ؛ فَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ التَّسْخِيرُ (p-٣٥١)ظاهِرًا لِأحَدٍ بَعْدَهُ؛ ولا قَبْلَهُ؛ ولَمّا كانَ وُجُودُ التَّسْبِيحِ مِنَ الجِبالِ شَيْئًا فَشَيْئًا أعْجَبَ؛ لِأنَّها جَمادٌ؛ عَبَّرَ بِالفِعْلِ المُضارِعِ؛ فَقالَ - مُصَوِّرًا لِتِلْكَ الحالِ؛ مُعَبِّرًا بِضَمِيرِ الإناثِ؛ إشارَةً إلى أنَّها بَعْدَ ما لَها مِنَ الصَّلابَةِ صارَتْ في غايَةِ اللِّينِ؛ والرَّخاوَةِ؛ يُسَبِّحُ كُلُّ جَبَلٍ مِنها بِصَوْتٍ غَيْرِ مُشْبِهٍ بِصَوْتِ الآخَرِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ أقْرَبُ إلى التَّمْيِيزِ؛ والعِلْمِ بِتَسْبِيحِ كُلٍّ عَلى انْفِرادِهِ -: ﴿يُسَبِّحْنَ﴾؛ ولَمْ يَقُلْ: ”مُسَبِّحَةً“؛ أوْ: ”تُسَبِّحُ“؛ لِئَلّا يُظَنَّ أنَّ تَسْبِيحَها بِصَوْتٍ واحِدٍ؛ لِيُشْكِلَ الأمْرُ في بَعْضِها؛ وهو يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ اسْتِئْنافًا؛ وأنْ يَكُونَ حالًا بِمَعْنى أنَّهُنَّ يَنْقَدْنَ لَهُ بِالتَّسْبِيحِ؛ قالًا وحالًا؛ انْقِيادَ المُخْتارِ المُطِيعِ لِلَّهِ.
ولَمّا كانَ في سِياقِ الأوْبَةِ؛ وكانَ آخِرُ النَّهارِ وقْتَ الرُّجُوعِ لِكُلِّ ذِي إلْفٍ إلى مَأْلَفِهِ؛ مَعَ أنَّهُ وقْتُ الفُتُورِ؛ والِاسْتِراحَةِ مِنَ المَتاعِبِ؛ قالَ: ﴿بِالعَشِيِّ﴾؛ أيْ: تَقْوِيَةً لِلْعامِلِ؛ وتَذْكِيرًا لِلْغافِلِ؛ ولَمّا كانَ في سِياقِ الفَيْضِ والتَّشْرِيفِ بِالقُرْآنِ؛ قالَ: ﴿والإشْراقِ﴾؛ أيْ: في وقْتِ ارْتِفاعِ الشَّمْسِ عَنِ انْتِشابِ النّاسِ في الأشْغالِ؛ واشْتِغالِهِمْ بِالمَآكِلِ؛ والمَلاذِّ؛ مِنَ الأقْوالِ؛ والأفْعالِ؛ تَذْكِيرًا لَهُمْ؛ وتَرْجِيعًا عَنْ مَأْلُوفاتِهِمْ إلى تَقْدِيسِ رَبِّهِمْ - سُبْحانَهُ -؛ ولَيْسَ الإشْراقُ طُلُوعَ الشَّمْسِ؛ إنَّما هو صَفاؤُها (p-٣٥٢)وُضَوْؤُها؛ وشُرُوقُها طُلُوعُها؛ ورَوَتْ أُمُّ هانِئٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلّى في بَيْتِها الضُّحى؛ وقالَ لَها: ”هَذِهِ صَلاةُ الإشْراقِ“؛» وفي الجامِعِ لِعَبْدِ الرَّزّاقِ أنَّ ابْنَ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - قالَ: صَلاةُ الضُّحى في القُرْآنِ؛ ولَكِنْ لا يَغُوصُ عَلَيْها إلّا غائِصٌ؛ ثُمَّ قَرَأ هَذِهِ الآيَةَ؛ وإلَيْها الإشارَةُ أيْضًا - واللَّهُ أعْلَمُ - بِصَلاةِ الأوّابِينَ: ﴿واذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذا الأيْدِ إنَّهُ أوّابٌ﴾ [ص: ١٧] ﴿ووَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ العَبْدُ إنَّهُ أوّابٌ﴾ [ص: ٣٠] ﴿يا جِبالُ أوِّبِي مَعَهُ﴾ [سبإ: ١٠] ﴿والطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أوّابٌ﴾ [ص: ١٩]؛ رَوى مُسْلِمٌ؛ في صَحِيحِهِ؛ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ؛ في مُسْنَدِهِ؛ والدّارِمِيُّ؛ في جامِعِهِ؛ المُسَمّى بِالمُسْنَدِ؛ عَنْ زَيْدِ بْنِ أرْقَمَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «صَلاةُ الأوّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الفِصالُ”؛» ولَفْظُ الدّارِمِيِّ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَرَجَ عَلَيْهِمْ وهم يُصَلُّونَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ؛ فَقالَ:“صَلاةُ الأوّابِينَ إذا رَمَضَتِ الفِصالُ»؛ ولَفْظُ عَبْدٍ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ أتاهم في مَسْجِدِ قُباءٍ؛ فَرَآهم يُصَلُّونَ الضُّحى فَقالَ: ”هَذِهِ صَلاةُ الأوّابِينَ؛ وكانُوا يُصَلُّونَها إذا رَمَضَتِ الفِصالُ“؛» أيْ بَرَكَتْ مِن شِدَّةِ الحَرِّ؛ وإحْراقِهِ أخْفافَها؛ مِن ”الرَّمَضُ“؛ بِالتَّحْرِيكِ؛ وهو شِدَّةُ الشَّمْسِ عَلى الرَّمْلِ؛ وغَيْرِهِ؛ و”الرَّمْضاءُ“: الشَّدِيدَةُ الحَرِّ.
{"ayah":"إِنَّا سَخَّرۡنَا ٱلۡجِبَالَ مَعَهُۥ یُسَبِّحۡنَ بِٱلۡعَشِیِّ وَٱلۡإِشۡرَاقِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











