الباحث القرآني
ولَمّا أوْجَبَ ذَلِكَ التَّشَوُّفَ إلى بَيانِ الأحْزابِ الماضِيَةِ؛ وكانُوا أحْقَرَ شَيْءٍ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ - سُبْحانَهُ -؛ مَعَ شِدَّتِهِمْ في أنْفُسِهِمْ؛ بَيَّنَ ذَلِكَ بِالتّاءِ الدّالَّةِ عَلى الرُّتْبَةِ الثّانِيَةِ المُؤَخَّرَةِ؛ وهي رُتْبَةُ التَّأْنِيثِ؛ اللّازِمِ مِنهُ الضَّعْفُ؛ فَقالَ: ﴿كَذَّبَتْ﴾؛ ولَمّا كانَتْ نِيَّتُهُمُ التَّكْذِيبَ؛ لا إلى آخِرَ؛ عُدُّوا مُسْتَغْرِقِينَ لِلزَّمانِ؛ فَنُزِعَ الجارُّ وقِيلَ: ﴿قَبْلَهُمْ﴾؛ أيْ: مِثْلَ تَكْذِيبِهِمْ؛ ولَمّا كانَ لِأوَّلِ المُكَذِّبِينَ مِنَ الكَثْرَةِ؛ والقُوَّةِ؛ والِاجْتِماعِ عَلى طُولِ الأزْمانِ؛ ما لَمْ يَكُنْ لِمَن بَعْدَهُمْ؛ كانُوا مَعَ تَقَدُّمِهِمْ في الزَّمانِ أحَقَّ بِالتَّقْدِيمِ في هَذا السِّياقِ؛ فَقالَ: ﴿قَوْمُ نُوحٍ﴾؛ واسْتَمَرُّوا في عِزَّتِهِمْ؛ وشِقاقِهِمْ؛ إلى أنْ رَأوُا الماءَ قَدْ أخَذَهُمْ؛ ولَمْ يَسْمَحُوا بِالإذْعانِ؛ ولا بِالتَّضَرُّعِ؛ إلى نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - في أنْ يَرْكَبُوا مَعَهُ؛ أوْ يَدْعُوَ لَهم فَيَنْجُوا.
ولَمّا كانَ لِقَوْمِ هُودٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - بَعْدَهم مِنَ الضَّخامَةِ؛ والعِزِّ؛ ما لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ؛ مَعَ قُوَّةِ الأبْدانِ؛ وعُلُوِّ الهِمَمِ؛ واتِّساعِ المُلْكِ؛ حَتّى بَنَوْا جَنَّةً في الأرْضِ؛ أتْبَعَهم بِهِمْ؛ ومِن مُناسَبَتِهِمْ لَهم في أنَّ عَذابَهم بِالرِّيحِ؛ الَّتِي هي سَبَبُ السَّحابِ؛ الحامِلِ لِلْماءِ؛ فَقالَ: ﴿وعادٌ﴾؛ مُسَمِّيًا لَهم بِالِاسْمِ المُنَبِّهِ عَلى ما كانَ لَهم مِنَ المُكْنَةِ بِالمُلْكِ؛ واسْتَمَرُّوا في شِقاقِهِمْ إلى أنْ خَرَجَتْ عَلَيْهِمُ الرِّيحُ؛ ورَأوْها تَحْمِلُ الإبِلَ فِيما بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ؛ وهَجَمَ (p-٣٤١)عَلَيْهِمْ أوائِلُها وهم يَرَوْنَ هُودًا - عَلَيْهِ السَّلامُ - ومَن مَعَهُ مِنَ المُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم - في عافِيَةٍ مِنها؛ ولَمْ يَدَعْهُمُ الشِّقاقُ يَسْألُونَهُ في الدُّعاءِ لَهُمْ؛ ولا يُذْعِنُونَ لِما دَعاهم إلَيْهِ.
ولَمّا كانَ لَهم مِنَ القُوَّةِ؛ والمُلْكِ في جَمِيعِ الأرْضِ؛ وبِناءِ إرَمَ ذاتِ العِمادِ؛ ما يَتَضاءَلُ مَعَهُ مُلْكُ كُلِّ مَلِكٍ؛ أتْبَعَهم مُلْكًا ضَخْمًا؛ قَهَرَ غَيْرَهُ بِعِزِّ سُلْطانِهِ؛ وكَثْرَةِ أعْوانِهِ؛ حَتّى ادَّعى الإلْهِيَّةَ في زَمانِهِ؛ وتَكَبَّرَ بِسَعَةِ مُلْكِهِ؛ والأنْهارِ الجارِيَةِ مِن تَحْتِهِ؛ مَعَ ما لَهُ مِنَ الوِفاقِ لَهم بِأنَّ عَذابَهُ كانَ بِالرِّيحِ باطِنًا؛ وإنْ كانَ بِالماءِ ظاهِرًا؛ وذَلِكَ أنَّ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - لَمّا ضَرَبَ البَحْرَ أرْسَلَ اللَّهُ الرِّيحَ فَفَرَّقَتْهُ طُرُقًا؛ وأيْبَسَتْ تِلْكَ الطُّرُقَ؛ ولَمّا خَلَصَ بَنُو إسْرائِيلَ؛ أمَرَها اللَّهُ (تَعالى) فَسَكَنَتْ؛ فانْطَبَقَ البَحْرُ عَلى فِرْعَوْنَ وآلِهِ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿وفِرْعَوْنُ﴾؛ ذَكَرَهُ بِاسْمِهِ نَصًّا عَلى حَقِيقَةِ أمْرِهِ؛ وتَصْرِيحًا بِكُفْرِهِ؛ إبْطالًا لِما أظْهَرَهُ الأخابِثُ مِن شَرَهٍ؛ طَعْنًا في الدِّينِ؛ وتَشْكِيكًا لِضُعَفاءِ المُسْلِمِينَ.
ولَمّا نَصَّ عَلى كُفْرِهِ؛ وصَفَهُ بِما يَدُلُّ - مَعَ الدَّلالَةِ عَلى مُشارَكَةِ عادٍ في ضَخامَةِ الأمْرِ - عَلى كُفْرِ قَوْمِهِ؛ فَقالَ: ﴿ذُو الأوْتادِ﴾؛ أيْ: الأسْبابِ المُوجِبَةِ لِثَباتِ المُلْكِ؛ وتَقْوِيَتِهِ؛ مِن عُلُوِّ السُّلْطانِ بِكَثْرَةِ الأعْوانِ؛ والتَّفَرُّدِ (p-٣٤٢)بِالأوامِرِ؛ وسَعَةِ العَقْلِ؛ ودِقَّةِ المَكْرِ؛ وكَثْرَةِ الحِيَلِ؛ بِالسِّحْرِ وغَيْرِهِ؛ وجَوْدَةِ التَّدْبِيرِ بِالعَدْلِ؛ فِيما يَزْعُمُ؛ وصَوْلَةِ القَهْرِ؛ قالَ أبُو حَيّانَ: وأصْلُهُ مِنَ البَيْتِ المُطْنَبِ بِأوْتادِهِ؛ قالَ الأفْوَهُ الأوْدِيُّ:
؎والبَيْتُ لا يُبْتَنى إلّا لَهُ عَمَدٌ ∗∗∗ ولا عِمادَ إذا لَمْ تُرْسَ أوْتادُ
واسْتَمَرُّوا في عِزَّةٍ وشِقاقٍ؛ وهم يُضْرَبُونَ تارَةً بِالطُّوفانِ؛ وتارَةً بِالجَرادِ؛ وتارَةً بِالقُمَّلِ؛ وأُخْرى بِالضَّفادِعِ؛ وبِغَيْرِ ذَلِكَ؛ إلى أنْ رَأوْا آيَةَ البَحْرِ الَّتِي هي الغايَةُ؛ ولَمْ يَرُدَّهم شَيْءٌ مِن ذَلِكَ عَنْ شِقاقِهِمْ؛ إلى أنْ غَرِقُوا عَلى كُفْرِهِمْ؛ عَنْ بَكْرَةِ أبِيهِمْ؛ كَما صَرَّحَتْ بِهِ هَذِهِ الآيَةُ.
{"ayah":"كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحࣲ وَعَادࣱ وَفِرۡعَوۡنُ ذُو ٱلۡأَوۡتَادِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











