الباحث القرآني

ولَمّا ذَكَرَ هَؤُلاءِ السّادَةَ الَّذِينَ لَهم مِن رُتْبَةِ التَّجَرُّدِ والنَّزاهَةِ ما تَقَدَّمَ بَيانُهُ؛ وخَتَمَهم بِأخَوَيْنِ ما اجْتَمَعا قَطُّ؛ وكانَ مِن أعْظَمِ المَقاصِدِ بِذِكْرِهِمُ المِنَّةَ عَلى مَنِ اتَّصَفَ بِمِثْلِ صِفاتِهِمْ بِالقُرْبِ؛ والنُّصْرَةِ؛ تَسْلِيَةً؛ وتَرْجِيَةً لِلنَّبِيِّ ﷺ ولِمَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ المُؤْمِنِينَ؛ مِمَّنْ قارَبَ - مِن شِدَّةِ البَلاءِ؛ والقَهْرِ - اليَأْسَ مِنَ النَّصْرِ؛ أتْبَعَهم بِأمْثالِهِمْ في التَّجَرُّدِ؛ وابْتَدَأهم بِأخَوَيْنِ افْتَرَقا حِينَ وِلادَةِ الثّانِي؛ عَلى حالَةٍ لا يُمْكِنُ الِاجْتِماعُ (p-٢٧٩)مَعَها عادَةً؛ ثُمَّ اجْتَمَعا في الباطِنِ؛ مَعَ الِافْتِراقِ في الظّاهِرِ؛ ثُمَّ افْتَرَقا عَلى حالَةٍ يَبْعُدُ الِاجْتِماعُ مَعَها عادَةً؛ ثُمَّ اجْتَمَعا اجْتِماعًا لَمْ يَفْتَرِقا مِنهُ إلّا بِالمَوْتِ؛ وبَدَأهُما بِأوَّلِ مَن تَجَرَّدَ مِنهُما؛ مِن حِينِ وِلادَتِهِ إلى أوانِ هِجْرَتِهِ؛ ثُمَّ مِن حِينِ رَجْعَتِهِ إلى أنْ جَرَّدَ آلَهُ - وهم بَعْضُ ذُرِّيَّةِ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وأنْقَذَهم مِن عَلائِقِ الكَفَرَةِ؛ ثُمَّ تَجَرَّدَ مَعَهم هو وأخُوهُ عَنِ المُدُنِ؛ والقُرى؛ وأكْثَرِ عَلائِقِ البَشَرِ؛ مُلازِمَيْنِ البَرارِيَ والفَلَواتِ؛ حَيْثُ يَكْثُرُ ظُهُورُ الكَلِمَةِ؛ مَعَ إرْسالِ اللَّهِ إلَيْهِما بِمَعادِنِ الحِكْمَةِ؛ إلى أنْ ماتا - عَلَيْهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ والتَّحِيَّةُ والإكْرامُ -؛ فَقالَ - مُؤَكِّدًا؛ تَنْبِيهًا لِمَن يَعُدُّ نَصْرَ المُؤْمِنِينَ مُحالًا؛ عاطِفًا عَلى ما تَقْدِيرُهُ: ”فَلَقَدْ أنْشَأْنا مِنهُما مِنَ الأُمَمِ ما يُعْجِزُ الوَصْفَ؛ ويَفُوتُ الحَصْرَ؛ ومَنَنّا عَلى كَثِيرٍ مِنهم بِالإحْسانِ؛ مِن ولَدِ إسْماعِيلَ - عَلَيْهِ السَّلامُ -؛ إلى أنْ غَيَّرَ دِينَهُ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ؛ ومِن ولَدِ إسْحاقَ؛ يَعْقُوبَ؛ والأسْباطِ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ - ومَن شاءَ اللَّهُ مِن أوْلادِهِمْ“ -: ﴿ولَقَدْ مَنَنّا﴾؛ أيْ: أنْعَمْنا إنْعامًا مَقْطُوعًا بِهِ؛ بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ؛ عَلى أوَّلِ مَن أظْهَرَ لِسانَ الصِّدْقِ لِإبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ -؛ وذُرِّيَّتِهِ؛ إظْهارًا تامًّا؛ وبَدَأهُما بِأعْرَقِهِما - كَما تَقَدَّمَ - في التَّجَرُّدِ؛ وأحَقِّهِما بِالتَّقَدُّمِ؛ فَقالَ: ﴿عَلى مُوسى﴾؛ أحَدِ أعْيانِ المُتَجَرِّدِينَ؛ ومَن لَهُ القَدَمُ الرّاسِخُ في ذَلِكَ؛ ﴿وهارُونَ﴾؛ أيِّ عَيْنٍ! مَن تَجَرَّدَ مَعَ أخِيهِ؛ ووافَقَهُ أتَمَّ مُوافَقَةٍ؛ ووازَرَهُ أعْظَمَ مُوازَرَةٍ؛ بِما أتَيا بِهِ مِنَ (p-٢٨٠)النُّبُوَّةِ؛ والكِتابِ؛ وغَيْرِ ذَلِكَ مِن أنْواعِ الخِطابِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب