الباحث القرآني
ولَمّا كانَ المَقْصُودُ مِن هَذا الكِتابِ الأعْظَمِ بَيانَ الأُصُولِ الأرْبَعَةِ؛ التَّوْحِيدِ؛ والنُّبُوَّةِ؛ والمَعادِ؛ وإثْباتَ القَضاءِ والقَدَرِ؛ ودَلَّ - سُبْحانَهُ - بِهَذِهِ المَذْكُوراتِ عَلى وُجُودِهِ؛ وكَمالِ عِلْمِهِ؛ وتَمامِ قُدْرَتِهِ عَلى الأفْعالِ الهائِلَةِ؛ وبَدِيعِ حِكْمَتِهِ؛ اللّازِمِ مِنهُ إثْباتُ وحْدانِيَّتِهِ؛ تَفْصِيلًا لِبَعْضِ إجْمالِ ﴿أوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ﴾ [يس: ٨١] فَكانَ ما دُونَها مِنَ الأفْعالِ أوْلى؛ سَبَّبَ عَنْ ذَلِكَ - لِإثْباتِ الحَشْرِ؛ الَّذِي أخْبَرَ بِهِ هَذا القُرْآنُ؛ الَّذِي حَرَسَهُ عَنْ تَلْبِيسِ الجانِّ بِزِينَةِ الكَواكِبِ؛ الَّتِي أنْشَأ مِنها الشُّهُبَ الثَّواقِبَ - قَوْلَهُ - تَهَكُّمًا بِهِمْ -: ﴿فاسْتَفْتِهِمْ﴾؛ أيْ: سَلْهم أنْ يَتَفَتَّوْا بِأنْ يُبَيِّنُوا لَكَ ما تَسْألُهم عَنْهُ مِن إنْكارِهِمُ البَعْثَ؛ وأصْلُهُ مِن ”الفُتُوَّةُ“؛ وهي الكَرَمُ؛ ﴿أهم أشَدُّ﴾؛ أيْ: أقْوى؛ وأشَقُّ؛ وأصْعَبُ ﴿خَلْقًا﴾؛ أيْ: مِن جِهَةِ إحْكامِ الصَّنْعَةِ؛ وقُوَّتِها؛ وعِظَمِها؛ ﴿أمْ مَن﴾؛ ولَمّا كانَ المُرادُ الإعْلامَ بِأنَّهُ لا شَيْءَ مِنَ المَوْجُوداتِ إلّا وهو خَلْقُهُ - سُبْحانَهُ -؛ عَبَّرَ بِما يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ؛ دُونَ ذِكْرِ ”نا“؛ ولِيَكُونَ أعَمَّ؛ وحَذَفَ المَفْعُولَ لِأنَّهُ مَفْهُومٌ؛ ولِئَلّا يَلْبِسَ إذا ذُكِرَ ضَمِيرُ المُسْتَفْتِينَ؛ (p-٢٠٠)فَقالَ: ﴿خَلَقْنا﴾؛ أيْ: مِن هَذِهِ الأشْياءِ الَّتِي عَدَدْناها؛ مِنَ الحَيِّ؛ وغَيْرِهِ مِنَ الجِنِّ؛ الَّذِينَ أعْطَيْناهم قُدْرَةَ التَّوَصُّلِ إلى الفَلَكِ؛ وغَيْرِهِمْ؛ وعَبَّرَ بِـ ”مَن“؛ تَغْلِيبًا لِلْعاقِلِ مِنَ المَلائِكَةِ وغَيْرِهِمْ؛ مِمّا بَيْنَ السَّماواتِ والأرْضِ.
ولَمّا كانَ الجَوابُ قَطْعًا أنَّ هَذِهِ المَخْلُوقاتِ أشَدُّ خَلْقًا مِنهُمْ؛ وأنَّهم هم مِن أضْعَفِ الخَلائِقِ خَلْقًا؛ قالَ - دالًّا عَلى إرادَةِ التَّهَكُّمِ بِهِمْ في السُّؤالِ؛ مُؤَكِّدًا؛ إشارَةً إلى أنَّ إنْكارَهُمُ البَعْثَ؛ لِاسْتِبْعادِهِمْ تَمْيِيزَ التُّرابِ مِنَ التُّرابِ؛ يَلْزَمُ مِنهُ إنْكارُ ابْتِداءِ الخَلْقِ عَلى هَذا الوَجْهِ -: ﴿إنّا خَلَقْناهُمْ﴾؛ أيْ: عَلى عَظَمَتِنا؛ ﴿مِن طِينٍ﴾؛ أيْ: تُرابٍ رَخْوٍ مَهِينٍ؛ ﴿لازِبٍ﴾؛ أيْ: شَدِيدِ اخْتِلاطِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ؛ فالتَصَقَ؛ وضَمُرَ؛ وتَضايَقَ؛ وتَلازَمَ بَعْضُهُ لِبَعْضٍ؛ وقَلَّ؛ واشْتَدَّ؛ ودَخَلَ بَعْضُ أجْزائِهِ في بَعْضٍ؛ وصَلُبَ؛ وثَبَتَ؛ فَصارَ تَمْيِيزُ بَعْضِهِ مِن بَعْضٍ أصْعَبَ مِن تَمْيِيزِ بَعْضِ التُّرابِ المُنْتَثِرِ مِن بَعْضٍ؛ قالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما -: ”هُوَ الطِّينُ الحُرُّ الجَيِّدُ اللِّزِقُ“.
وإنَّما كانُوا مِن طِينٍ لِأنَّ أباهم آدَمَ كانَ مِنهُ؛ مِن غَيْرِ أبٍ؛ ولا أُمٍّ؛ فَصارُوا بِهَذا التَّقْدِيرِ بَعْضَ الطِّينِ الَّذِي هو بَعْضُ خَلْقِهِ؛ الَّذِي عَدَّدَهُ قَبْلَ ذَلِكَ - سُبْحانَهُ وتَعالى -؛ ومِنَ المَعْلُومِ أنَّ حالَ الطِّينِ مُباعِدَةٌ لِحالِهِمْ؛ ولَكِنَّهم كانُوا بِقُدْرَتِهِ - سُبْحانَهُ - الذّاتِيَّةِ؛ الَّتِي لا يَمْتَنِعُ عَلَيْها مَقْدُورٌ؛ ولا يُعْجِزُها مَأْمُورٌ؛ فَدَلَّ ابْتِداءُ خَلْقِهِمْ؛ وخَلْقِ ما هو أشَدُّ مِنهُمْ؛ وأعْظَمُ؛ (p-٢٠١)عَلى القُدْرَةِ عَلى إعادَتِهِمْ قَطْعًا؛ بَلْ بِطَرِيقِ الأوْلى مِن غَيْرِ وجْهٍ؛ وحَسَّنَ هَذا الِاسْتِفْتاءُ؛ كُلَّ الحُسْنِ؛ خَتْمَ الكَلامِ قَبْلَهُ بِمَن بَلَغُوا السَّماءَ تَكَبُّرًا وعُلُوًّا؛ وهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا؛ تَجَبُّرًا وعُلُوًّا؛ وسَلَّطَ عَلَيْهِمْ ما يَرُدُّهم مَقْهُورِينَ؛ مُبْعَدِينَ؛ مَدْحُورِينَ؛ واسْتَثْنى مِنهم مَن ”خَطِفَ“؛ لِيُعْلَمَ أنَّهُ غَيْرُ مُحالٍ ما تَعَلَّقَتْ بِهِ مِنهُمُ الآمالُ؛ هَذا مَعَ ذِكْرِهِ في خَلْقِهِمْ مِنَ الطِّينِ اللّازِبِ؛ الَّذِي مِن شَأْنِهِ الرُّسُوبُ - لِثِقَلِهِ -؛ والسُّفُولُ؛ كَما أنَّ مِن شَأْنِ مَن خَتَمَ بِهِمْ ما قَبْلَهُ العُلُوَّ - لِخِفَّتِهِمْ - والصُّعُودَ.
{"ayah":"فَٱسۡتَفۡتِهِمۡ أَهُمۡ أَشَدُّ خَلۡقًا أَم مَّنۡ خَلَقۡنَاۤۚ إِنَّا خَلَقۡنَـٰهُم مِّن طِینࣲ لَّازِبِۭ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق