الباحث القرآني
ولَمّا ذَكَرَ أمْرَ الرَّسُولِ ﷺ فِيما آتاهُ مِن غَرائِزِ الشَّرَفِ في سَنِّ النَّكْسِ لِغَيْرِهِ؛ ذَكَرَ عِلَّةَ ذَلِكَ؛ فَقالَ: ﴿لِيُنْذِرَ﴾؛ أيْ: الرَّسُولُ ﷺ؛ بِدَلِيلِ ما دَلَّ عَلَيْهِ السِّياقُ مِنَ التَّقْدِيرِ؛ ويُؤَيِّدُهُ لَفْتُ الكَلامِ في قِراءَةِنافِعٍ؛ وابْنِ عامِرٍ؛ ويَعْقُوبَ؛ بِالخِطابِ؛ إشارَةً إلى أنَّهُ لا يَفْهَمُهُ حَقَّ فَهْمِهِ غَيْرُهُ ﷺ.
ولَمّا كانَ هَذا القُرْآنُ مُبِينًا؛ وكانَ الرَّسُولُ ﷺ مُتَخَلِّقًا بِهِ؛ فَهو مَظْهَرُهُ؛ وصُورَةُ سُورَتِهِ؛ فَكانَ حالُهُ مُقْتَضِيًا لِئَلّا يَتَخَلَّفَ عَنِ الإيمانِ حَيٌّ؛ قالَ - مُظْهِرًا لِما كانَ حَقُّهُ في بادِي الرَّأْيِ الإضْمارَ؛ إفادَةً لِلتَّعْمِيمِ؛ مُبَيِّنًا لِأنَّ حُكْمَهُ - سُبْحانَهُ - مَنَعَ مِن ذَلِكَ؛ فانْقَسَمَ المُنْذَرُونَ إلى قِسْمَيْنِ -: ﴿مَن كانَ﴾؛ كَوْنًا مُتَمَكِّنًا؛ ﴿حَيًّا﴾؛ أيْ: حَياةً (p-١٦٩)كامِلَةً مَعْنَوِيَّةً؛ تَكُونُ سَبَبًا لِلْحَياةِ الدّائِمَةِ؛ فَإنَّهُ لا يَتَوَقَّفُ حِينَئِذٍ عَنِ الإيمانِ بِهِ؛ خَوْفًا مِمّا يُخَوِّفُ بِهِ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي لا يَتَوَجَّهُ إلَيْها رَيْبٌ بِوَجْهٍ؛ فَيُرْجى لَهُ الخَيْرُ؛ فَهو مُؤْمِنٌ في الحَقِيقَةِ؛ وإنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ في أوَّلِ أمْرِهِ خِلافُ ذَلِكَ؛ وأفْرَدَ الضَّمِيرَ هُنا عَلى اللَّفْظِ؛ إشارَةً إلى قِلَّةِ السُّعَداءِ؛ وجَمَعَ في الثّانِي عَلى المَعْنى؛ إعْلامًا بِكَثْرَةِ الأشْقِياءِ؛ ﴿ويَحِقَّ﴾؛ أيْ: يَجِبَ؛ ويَثْبُتَ؛ ﴿القَوْلُ﴾؛ أيْ: بِالعَذابِ؛ ﴿عَلى الكافِرِينَ﴾؛ أيْ: العَرِيقِينَ في الكُفْرِ؛ فَإنَّهم أمْواتٌ في الحَقِيقَةِ؛ وإنْ رَأيْتَهم أحْياءً؛ فالآيَةُ مِنَ الِاحْتِباكِ: حَذَفَ الإيمانَ أوَّلًا؛ لِما دَلَّ عَلَيْهِ مِن ضِدِّهِ ثانِيًا؛ وحَذَفَ المَوْتَ ثانِيًا لِما دَلَّ عَلَيْهِ مِن ضِدِّهِ أوَّلًا؛ فَتَحَقَّقَ بِهَذا أنَّ أعْظَمَ مُنافاةِ القُرْآنِ لِلشِّعْرِ؛ وكَذا السَّجْعِ؛ مِن أجْلِ أنَّهُ جَدٌّ كُلُّهُ؛ فَمَحَطُّ أسالِيبِهِ بِالقَصْدِ الأوَّلِ المَعانِي؛ والألْفاظُ تابِعَةٌ؛ والشّاعِرُ؛ والسّاجِعُ مَحَطُّ نَظَرِهِما بِالقَصْدِ الأوَّلِ الرَّوِيُّ؛ والقافِيَةُ؛ والفاصِلَةُ؛ حَتّى إنَّ ذَلِكَ لَيُؤَدِّي إلى رِكَّةِ المَعْنى والكَلامِ بِغَيْرِ الواقِعِ؛ ولا بُدَّ؛ كَما قالَ حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وحالُهُ مَعْرُوفٌ في البَلاغَةِ؛ والتَّفَنُّنِ في أسالِيبِ الكَلامِ؛ وصِدْقِ اللَّهْجَةِ؛ وحُسْنِ الإسْلامِ؛ في غَزْوَةِ الغابَةِ؛ وكانَ أمِيرُها سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ الأشْهَلِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
؎أسِرَّ أوْلادَ اللَّقِيطَةِ أنَّنا ∗∗∗ سِلْمٌ غَداةَ فَوارِسِ المِقْدادِ
(p-١٧٠)فَغَضِبَ سَعْدٌ عَلى حَسّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما -؛ وحَلَفَ لا يُكَلِّمُهُ أبَدًا؛ وقالَ: انْطَلَقَ إلى خَيْلِي وفَوارِسِي فَجَعَلَها لِلْمِقْدادِ؛ فاعْتَذَرَ إلَيْهِ حَسّانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما -؛ ومَدَحَهُ بِأبْياتٍ؛ وقالَ: واللَّهِ ما أرَدْتُ ذَلِكَ؛ ولَكِنَّ الرَّوِيَّ وافَقَ اسْمَ المِقْدادِ؛ لِأنَّ القَصِيدَةَ دالِيَةٌ؛ فالنَّبِيُّ ﷺ لا يَدُورُ في فِكْرِهِ أبَدًا قَصْدُ اللَّفْظِ؛ فَإنَّهُ مِن بابِ التَّرْوِيقِ؛ وهو ﷺ جَدٌّ كُلُّهُ؛ فَهو لا يَعْدِلُ عَنْهُ لِأنَّهُ مَوْزُونٌ؛ بَلْ لِأنَّهُ لا يُؤَدِّي المَعْنى؛ كَما أنَّ العَرَبَ تَعْدِلُ عَنِ اللَّحْنِ؛ ولا تُحْسِنُ النُّطْقَ بِهِ؛ ولا تُطَوِّعُ ألْسِنَتَها لَهُ؛ لِكَوْنِهِ لَحْنًا؛ لا لِكَوْنِهِ حَرَكَةً؛ فَإنْ وافَقَ شَيْءٌ مِنَ المَوْزُونِ ما أُرِيدَ مِنَ المَعْنى لِأجْلِ أداءِ المَعْنى قالَهُ؛ كَما يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنَ المُصَنِّفِينَ الكَلامُ المَوْزُونُ؛ وما قَصَدَهُ؛ وكَما وقَعَ كَثِيرٌ مِنَ الكَلامِ المَوْزُونِ مِن جَمِيعِ أبْحُرِ الشِّعْرِ في القُرْآنِ؛ وإنْ لَمْ يُوافِقِ المَعْنى لَمْ يَقُلْهُ؛ وعَلى هَذا يَتَخَرَّجُ قَوْلُهُ ﷺ: «
؎”أنا النَّبِيُّ لا كَذِبْ ∗∗∗ أنا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ“؛
» لَوْ تَظاهَرَ الإنْسُ؛ والجِنُّ عَلى أنْ يَأْتُوا بِما أدّاهُ مِنَ المَعْنى في ألْفاظِهِ؛ أوْ مِثْلِها عَلى غَيْرِ هَذا النَّظْمِ؛ لَمْ يَقْدِرُوا؛ وإذا تَأمَّلْتَ كُلَّ بَيْتٍ تَمَثَّلَ بِهِ فَكَسَرَهُ؛ لا تَجِدْهُ كَسَرَهُ إلّا لِمَعْنًى جَلِيلٍ؛ لا يَتَأتّى مَعَ الوَزْنِ؛ أوْ يَكُونُ لا فارِقَ بَيْنَ أدائِهِ مَوْزُونًا؛ ومَكْسُورًا؛ وهَكَذا السَّجْعُ سَواءٌ؛ ومِن هَنا عُلِمَ أنَّهُ لَيْسَ المَعْنى أنَّهُ لا يَحْسُنُ الوَزْنُ؛ بَلِ المَعْنى أنَّ تَعَمُّدَ الوَزْنِ (p-١٧١)والسَّجْعِ نَقِيصَةٌ لا تَلِيقُ بِمَنصِبِهِ العالِي؛ لِأنَّ الشّاعِرَ مُقَيَّدٌ بِوَزْنٍ؛ ورَوِيٍّ؛ وقافِيَةٍ؛ فَإنْ أطاعَهُ المَعْنى مَعَ ما هو مُقَيَّدٌ بِهِ كانَ؛ وإلّا احْتالَ في إتْمامِ ما هو مُقَيَّدٌ بِهِ؛ وإنْ نَقَصَ المَعْنى؛ والسّاجِعُ قَرِيبٌ مِن ذَلِكَ؛ فَهَذا هو الَّذِي لَمْ يُعَلِّمْهُ اللَّهُ لَهُ؛ لِأنَّهُ ﷺ تابِعٌ لِلْمَعانِي والحَقائِقِ والحِكَمِ الَّتِي تُفِيدُ الحَياةَ الدّائِمَةَ؛ لِأنَّهُ مُهَيَّأٌ بِالطَّبْعِ المُسْتَقِيمِ لِذَلِكَ؛ غَيْرُ مُهَيَّإٍ لِغَيْرِهِ مِنَ التَّكَلُّفِ؛ وإذا أنْعَمْتَ النَّظَرَ في آخِرِ الآيَةِ؛ الَّذِي هو تَعْلِيلٌ لِما قَبْلَهُ؛ تَحَقَّقْتَ أنَّ هَذا هو المُرادُ؛ فَوَضَحَ أيَّ وُضُوحٍ بِهَذا أنَّ كُلًّا مِنهُما نَقِيصَةٌ؛ فَلا يَتَحَرَّكُ شَيْءٌ مِن أخْلاقِهِ الشَّرِيفَةِ نَحْوَها؛ ولا يَكُونُ لَهُ بِذَلِكَ شَيْءٌ مِنَ الِاعْتِناءِ؛ وقَدْ أشْبَعْتُ الكَلامَ في هَذا؛ وأتْقَنْتُهُ؛ في كِتابِي ”مَصاعِدُ النَّظَرِ لِلْإشْرافِ عَلى مَقاصِدِ السُّورِ“؛ وهو كالمُدْخَلِ إلى هَذا الكِتابِ - واللَّهُ المُوَفِّقُ لِلصَّوابِ.
{"ayah":"لِّیُنذِرَ مَن كَانَ حَیࣰّا وَیَحِقَّ ٱلۡقَوۡلُ عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











