الباحث القرآني

ولَمّا كانَ الحازِمُ مَن لا يَتَهَكَّمُ بِشَيْءٍ إلّا إذا اسْتَعَدَّ لَهُ بِما هو مُحَقَّقُ الدَّفْعِ؛ بَيَّنَ سَفَهَهم بِإتْيانِها بَغْتَةً؛ وبِأنَّهُ لا بُدَّ مِن وُقُوعِها؛ وأنَّها بِحَيْثُ تَمْلَأُ السَّماواتِ والأرْضَ؛ فَكَأنَّهُ لا شَيْءَ فِيهِما غَيْرُها؛ بِقَوْلِهِ: ﴿ما يَنْظُرُونَ﴾؛ أيْ: مِمّا يُوعَدُونَ؛ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ بِمَعْنى: ”يَنْتَظِرُونَ“؛ لِأنَّ اسْتِبْطاءَهم لَها في صُورَةِ الِانْتِظارِ؛ وإنْ أرادُوا بِهِ الِاسْتِهْزاءَ؛ وجَرَّدَ الفِعْلَ تَقْرِيبًا لَها؛ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ؛ ﴿إلا صَيْحَةً﴾؛ وبَيَّنَ حَقارَةَ شَأْنِهِمْ؛ وتَمامَ قُدْرَتِهِ؛ بِقَوْلِهِ: ﴿واحِدَةً﴾؛ وهي النَّفْخَةُ الأُولى المُمِيتَةُ؛ واقْتَصَرَ في تَأْكِيدِ الوَحْدَةِ عَلى هَذا؛ بِخِلافِ ما يَأْتِي في المُحْيِيَةِ؛ لِأنَّهم لا يُنْكِرُونَ أصْلَ المَوْتِ؛ ﴿تَأْخُذُهُمْ﴾؛ أيْ: تُهْلِكُهُمْ؛ وبَيَّنَ غُرُورَهُمْ؛ بِقَوْلِهِ: ﴿وهم يَخِصِّمُونَ﴾؛ أيْ: يَخْتَصِمُونَ؛ أيْ: يَتَخاصَمُونَ في مُعامَلاتِهِمْ؛ عَلى غايَةٍ مِنَ الغَفْلَةِ؛ ولَعَلَّهُ عَبَّرَ بِذَلِكَ إشارَةً بِالإدْغامِ اللّازِمِ عَنْهُ التَّشْدِيدُ؛ إلى تَناهِي الخِصامِ؛ بِإقامَةِ أسْبابِهِ؛ أعْلاها؛ وأدْناها؛ (p-١٤٠)إلى حَدٍّ لا مَزِيدَ عَلَيْهِ؛ لِأنَّ التّاءَ مَعْناهُ عِنْدَ أهْلِ اللَّهِ انْتِهاءُ التَّسْبِيبِ إلى أدْناهُ؛ وكُلُّ ذَلِكَ إشارَةٌ إلى أنَّهم في وقْتِ الصَّعْقِ يَكُونُونَ في أعْظَمِ الأمانِ مِنها؛ لِأنَّ إعْراضَهم عَنْها بَلَغَ إلى غايَةٍ لا مَزِيدَ عَلَيْها؛ ويُشِيرُ الإدْغامُ أيْضًا إلى أنَّ خُصُومَتَهم في غايَةِ الخَفاءِ؛ بِالنِّسْبَةِ إلى الصَّيْحَةِ؛ وإنْ بَلَغَتِ الخُصُومَةُ النِّهايَةَ في الشِّدَّةِ؛ ولَمْ يَقْرَأْ أحَدٌ ”يَخْتَصِمُونَ“؛ بِالإظْهارِ؛ إشارَةً إلى أنَّهُ لا يَقَعُ في ذَلِكَ الوَقْتِ خُصُومَةٌ كامِلَةٌ حَتّى تَكُونَ ظاهِرَةً؛ بَلْ تُهْلِكُهُمُ الصَّيْحَةُ قَبْلَ اسْتِيفاءِ الحُجَجِ؛ وإظْهارِ الدَّلائِلِ؛ فَمِنها ما كانَ ابْتَدَأ فِيهِ أصْحابُهُ فَأوْجَزُوا - بِما أشارَتْ إلَيْهِ قِراءَةُ حَمْزَةَ؛ بِإسْكانِ الخاءِ؛ وكَسْرِ الصّادِ؛ مُخَفَّفًا -؛ ومِنها ما كانَ مُتَوَسِّطًا؛ وفِيهِ خَفاءٌ وعُلُوٌّ - بِما أشارَ إلَيْهِ تَشْدِيدُ الصّادِ؛ مَعَ اخْتِلاسِ فَتْحَةِ الخاءِ -؛ ومِنها ما هو كَذَلِكَ؛ وهو إلى الجَلاءِ أقْرَبُ - بِما أشارَ إلَيْهِ إخْلاصُ فَتْحَةِ الخاءِ؛ مَعَ تَشْدِيدِ الصّادِ -؛ وأشارَ مَن قَرَأهُ كَذَلِكَ مَعَ كَسْرِ الخاءِ؛ إلى التَّوَسُّطِ مَعَ الخَفاءِ؛ والسُّفُولِ؛ واللَّهُ أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب