الباحث القرآني

ولَمّا ذَكَرَ الوَقْتَيْنِ؛ ذَكَرَ آيَتَيْهِما؛ فَقالَ: ﴿والشَّمْسُ﴾؛ أيْ: الَّتِي سُلِخَ النَّهارُ مِنَ اللَّيْلِ بِغَيْبُوبَتِها؛ ﴿تَجْرِي﴾؛ ولَمّا كانَ غِيابُها بِاللَّيْلِ مِثْلَ سُكُونِ الإنْسانِ في مَبِيتِهِ؛ وجَعْلُها عَلى خَطٍّ قُدِّرَ لِسَيْرِها كُلَّ يَوْمٍ؛ بِتَقْدِيرٍ لا زَيْغَ فِيهِ؛ ومِنهاجٍ لا يَعْوَجُّ؛ قالَ: ﴿لِمُسْتَقَرٍّ﴾؛ أيْ: عَظِيمٍ؛ ﴿لَها﴾؛ وهو السَّيْرُ؛ الَّذِي لا تَعْدُوهُ جَنُوبًا؛ ولا شَمالًا؛ ذاهِبَةً وآتِيَةً؛ وهي فِيهِ مُسْرِعَةٌ - بِدَلِيلِ التَّعْبِيرِ بِاللّامِ في مَوْضِعِ ”إلى“؛ ويَدُلُّ عَلى هَذا قِراءَةُ: ”لا مُسْتَقَرَّ لَها“؛ بَلْ هي جارِيَةٌ أبَدًا إلى انْقِراضِ الدُّنْيا؛ في مَوْضِعٍ مَكِينٍ؛ مُحْكَمٍ؛ هو أهْلٌ لِلْقَرارِ؛ وعَبَّرَ بِهِ؛ مَعَ أنَّها لا تَسْتَقِرُّ ما دامَ هَذا الكَوْنُ؛ لِئَلّا يُتَوَهَّمَ أنَّ دَوامَ حَرَكَتِها لِأجْلِ أنْ مَوْضِعَ جَرْيِها لا يُمْكِنُ الِاسْتِقْرارُ عَلَيْهِ؛ ولا يُنافِي هَذا ما في صَحِيحِ البُخارِيِّ؛ وفي كِتابِ الإيمانِ مِن صَحِيحِ مُسْلِمٍ؛ عَنْ أبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «”مُسْتَقَرُّها تَحْتَ العَرْشِ؛ وإنَّها تَذْهَبُ فَتَسْتَأْذِنُ في السُّجُودِ؛ فَيُؤْذَنُ لَها؛ وكَأنَّها قَدْ قِيلَ لَها: ارْجِعِي مِن حَيْثُ جِئْتِ؛ فَتَطْلُعُ مِن مَغْرِبِها“؛» هَذا لَفْظُ مُسْلِمٍ؛ (p-١٣٠)وسَيَأْتِي لَفْظُ البُخارِيِّ؛ ويُمْكِنُ أنْ يَكُونَ المُسْتَقَرُّ آخِرَ جَرْيِها؛ عِنْدَ إبادَةِ هَذا الوُجُودِ. ولَمّا كانَ هَذا الجَرْيُ عَلى نِظامٍ لا يَخْتَلُّ عَلى مَرِّ السِّنِينِ؛ وتَعاقُبِ الأحْقابِ؛ تَكِلُّ الأوْهامُ عَنِ اسْتِخْراجِهِ؛ وتَتَحَيَّرُ الأفْهامُ في اسْتِنْباطِهِ؛ عَظَّمَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ﴾؛ أيْ: الأمْرُ الباهِرُ لِلْعُقُولِ؛ وزادَ في عِظَمِهِ بِصِيغَةِ التَّفْعِيلِ؛ في قَوْلِهِ: ﴿تَقْدِيرُ﴾؛ وأكَّدَ ذَلِكَ؛ لافِتًا القَوْلَ عَنْ مُطْلَقِ مَظْهَرِ العَظَمَةِ؛ إلى تَخْصِيصِهِ بِصِفَتَيِ العِزَّةِ؛ والعِلْمِ؛ تَعْظِيمًا لِهَذِهِ الآيَةِ؛ تَنْبِيهًا عَلى أنَّها أكْبَرُ آياتِ السَّماءِ؛ فَقالَ: ﴿العَزِيزِ﴾؛ أيْ: الَّذِي لا يَقْدِرُ أحَدٌ في شَيْءٍ مِن أمْرِهِ عَلى نَوْعِ مُغالَبَةٍ؛ وهو غالِبٌ عَلى كُلِّ شَيْءٍ؛ ﴿العَلِيمِ﴾؛ أيْ: المُحِيطِ عِلْمًا بِكُلِّ شَيْءِ؛ الَّذِي يُدَبِّرُ الأمْرَ؛ فَيَطَّرِدُ عَلى نِظامٍ عَجِيبٍ ونَهْجٍ بَدِيعٍ لا يَعْتَرِيهِ وهْنٌ؛ ولا يَلْحَقُهُ يَوْمًا نَوْعُ خَلَلٍ؛ إلى أنَّ يُرِيدَ - سُبْحانَهُ - إبادَةَ هَذا الكَوْنِ؛ فَتَسْكُنَ حَرَكاتُهُ؛ وتَفْنى مَوْجُوداتُهُ؛ رَوى البُخارِيُّ عَنْ أبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالَ: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ في المَسْجِدِ؛ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ فَقالَ: ”يا أبا ذَرٍّ؛ أتَدْرِي أيْنَ تَذْهَبُ؟“؛ قالَ: قُلْتُ: اللَّهُ ورَسُولُهُ أعْلَمُ؛ قالَ: ”فَإنَّها تَذْهَبُ حَتّى تَسْجُدَ (p-١٣١)تَحْتَ العَرْشِ؛ فَتَسْتَأْذِنُ؛ فَيُؤْذَنُ لَها؛ ويُوشِكُ أنْ تَسْجُدَ فَلا يُقْبَلَ مِنها؛ وتَسْتَأْذِنَ فَلا يُؤْذَنَ لَها؛ فَيُقالَ لَها: ارْجِعِي مِن حَيْثُ جِئْتِ؛ فَذَلِكَ قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها﴾“».
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب