الباحث القرآني
(p-١٦)ولَمّا أخْبَرَ (تَعالى) أنَّهُ لا بُدَّ مِن إيجادِ ما وعَدَ بِهِ؛ مِنَ البَعْثِ وغَيْرِهِ؛ وحَذَّرَ كُلَّ التَّحْذِيرِ مِنَ التَّهاوُنِ بِأمْرِهِ؛ وأنْكَرَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ المُصَدِّقِ بِهِ؛ والمُكَذِّبِ؛ وكانَ السَّبَبُ في الضَّلالِ المُمِيتِ لِلْقُلُوبِ الهَوى؛ الَّذِي يَغْشى سَماءَ العَقْلِ؛ ويَعْلُوهُ بِسَحابِهِ المُظْلِمِ؛ فَيَحُولُ بَيْنَهُ وبَيْنَ النُّفُوذِ؛ وكانَ السَّبَبُ في السَّحابِ المُغَطِّي لِسَماءِ الأرْضِ؛ المُحْيِي لِمَيِّتِ الحُبُوبِ الهَوى؛ وكانَ الإتْيانُ بِهِ في وقْتٍ دُونَ آخَرَ دالًّا عَلى القُدْرَةِ بِالِاخْتِيارِ؛ قالَ - عاطِفًا عَلى جُمْلَةِ ”إنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ“؛ المَبْنِيَّ عَلى النَّظَرِ؛ وهو الإخْراجُ مِنَ العَدَمِ؛ مُبَيِّنًا لِقُدْرَتِهِ عَلى ما وعَدَ بِهِ -: ﴿واللَّهُ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ صِفاتُ الكَمالِ؛ لا شَيْءَ غَيْرُهُ؛ مِن طَبِيعَةٍ؛ ولا غَيْرِها؛ ﴿الَّذِي﴾؛ ولَمّا كانَ المُرادُ الإيجادَ مِنَ العَدَمِ؛ عَبَّرَ بِالماضِي؛ مُسْنِدًا إلَيْهِ؛ لِأنَّهُ الفاعِلُ الحَقِيقِيُّ؛ فَقالَ: ﴿أرْسَلَ الرِّياحَ﴾؛ أيْ: أوْجَدَها مِنَ العَدَمِ مُضْطَرِبَةً؛ فِيها أهْلِيَّةُ الِاضْطِرابِ والسَّيْرِ؛ لِيُصَرِّفَها كَيْفَ شاءَ؛ لا ثابِتَةً كالأرْضِ؛ وأسْكَنَها ما بَيْنَ الخافِقَيْنِ؛ لِصَلاحِ مَكانِ الأرْضِ.
ولَمّا كانَتْ إثارَتُها تَتَجَدَّدُ كُلَّما أرادَ أنْ يَسْقِيَ أرْضًا؛ قالَ - مُسْنِدًا إلى الرِّياحِ؛ لِأنَّها السَّبَبُ؛ مُعَبِّرًا بِالمُضارِعِ؛ حِكايَةً لِلْحالِ؛ لِتُسْتَحْضَرَ تِلْكَ الصُّورَةُ البَدِيعَةُ؛ الدّالَّةُ عَلى تَمامِ القُدْرَةِ؛ وهَكَذا تَفْعَلُ العَرَبُ فِيما فِيهِ (p-١٧)غَرابَةٌ؛ تَنْبِيهًا لِلسّامِعِ عَلى ذَلِكَ؛ وحَثًّا لَهُ عَلى تَدَبُّرِهِ؛ وتَصَوُّرِهِ -: ﴿فَتُثِيرُ﴾؛ أيْ: بِتَحْرِيكِهِ لَها؛ إذا أرادَ؛ ﴿سَحابًا﴾؛ أيْ: إنَّهُ أجْرى - سُبْحانَهُ - سُنَّتَهُ أنْ تَظْهَرَ حِكْمَتُهُ بِالتَّدْرِيجِ.
ولَمّا كانَ المُرادُ الِاسْتِدْلالُ عَلى القُدْرَةِ عَلى البَعْثِ؛ وكانَ التَّعْبِيرُ بِالمُضارِعِ يَرُدُّ التَّعَنُّتُ؛ عَبَّرَ بِالمُضارِعِ؛ ولَمّا كانَ سَوْقُ السَّحابِ إلى بَلَدٍ دُونَ آخَرَ؛ وسَقْيُهُ لِمَكانٍ دُونَ مَكانٍ؛ مِنَ العَظَمَةِ بِمَكانٍ؛ التَفَتَ عَنِ الغَيْبَةِ؛ وجَعَلَهُ في مَظْهَرِ العَظَمَةِ؛ فَقالَ: ﴿فَسُقْناهُ﴾؛ أيْ: السَّحابَ؛ مُعَبِّرًا بِالماضِي؛ تَنْبِيهًا عَلى أنَّ كُلَّ سَوْقٍ كانَ بَعْدَ إثارَتِها - في الماضِي؛ والمُسْتَقْبَلِ - مِنهُ وحْدَهُ؛ أوْ بِواسِطَةِ مَن أقامَهُ لِذَلِكَ مِن جُنْدِهِ مِنَ المَلائِكَةِ؛ أوْ غَيْرِهِمْ؛ لا مِن غَيْرِهِ؛ ودَلَّ عَلى أنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ البُعْدِ؛ والقُرْبِ؛ بِحَرْفِ الغايَةِ؛ فَقالَ: ﴿إلى بَلَدٍ مَيِّتٍ﴾
ولَمّا كانَ السَّبَبُ في الحَياةِ هو السَّحابَ؛ بِما يَنْشَأُ عَنْهُ مِنَ الماءِ؛ قالَ: ﴿فَأحْيَيْنا بِهِ الأرْضَ﴾؛ ولَمّا كانَ المُرادُ إرْشادَهم إلى القُدْرَةِ عَلى البَعْثِ؛ الَّذِي هم بِهِ مُكَذِّبُونَ؛ قالَ - رافِعًا لِلْمَجازِ بِكُلِّ تَقْدِيرٍ؛ ومُوَضِّحًا كُلَّ الإيضاحِ لِلتَّصْوِيرِ -: ﴿بَعْدَ مَوْتِها﴾؛ ولَمّا أوْصَلَ الأمْرَ إلى غايَتِهِ؛ زادَ في التَّنْبِيهِ عَلى نِعْمَةِ الإيجادِ الثّانِي؛ بِقَوْلِهِ: ﴿كَذَلِكَ﴾؛ أيْ: مِثْلُ الإحْياءِ لِمَيِّتِ النَّباتِ؛ ﴿النُّشُورُ﴾؛ حِسًّا لِلْأمْواتِ؛ ومَعْنًى لِلْقُلُوبِ؛ والنَّباتِ؛ قالَ القُشَيْرِيُّ: (p-١٨)إذا أرادَ إحْياءَ قَلْبٍ؛ يُرْسِلُ أوَّلًا رِياحَ الرَّجاءِ؛ ويُزْعِجُ بِها كَوامِنَ الإرادَةِ؛ ثُمَّ يُنْشِئُ فِيهِ سَحابَ الِاهْتِياجِ؛ ولَوْعَةَ الِانْزِعاجِ؛ ثُمَّ يَأْتِي مَطَرُ الحَقِّ؛ فَيُنْبِتُ في القَلْبِ أزْهارَ البَسْطِ؛ وأنْوارَ الرُّوحِ؛ ويَطِيبُ لِصاحِبِهِ العَيْشُ؛ إلى أنْ تَتِمَّ لِطائِفُ الأُنْسِ.
{"ayah":"وَٱللَّهُ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ ٱلرِّیَـٰحَ فَتُثِیرُ سَحَابࣰا فَسُقۡنَـٰهُ إِلَىٰ بَلَدࣲ مَّیِّتࣲ فَأَحۡیَیۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ كَذَ ٰلِكَ ٱلنُّشُورُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق