الباحث القرآني

ولَمّا بَيَّنَ أنَّ حالَهم مُوجِبٌ؛ ولا بُدَّ لِلْإيقاعِ بِهِمْ؛ لِما ثَبَتَ مِن أيّامِ اللَّهِ؛ وأنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ؛ وكانَ التَّقْدِيرُ: ”ألَمْ يَسْمَعُوا أخْبارَ الأوَّلِينَ المُرَّةَ؛ وأحْوالَهُمُ المُسْتَمِرَّةَ؛ مِن غَيْرِ تَخَلُّفٍ أصْلًا في أنَّ مَن كَذَّبَ (p-٧٧)رَسُولًا أُخِذَ“؛ فَقالَ - عاطِفًا عَلَيْهِ؛ اسْتِشْهادًا عَلى الخَبَرِ عَنْ سُنَّتِهِ في الأوَّلِينَ بِما يُذَكِّرُ مِن آثارِهِمْ -: ﴿أوَلَمْ يَسِيرُوا﴾؛ أيْ: فِيما مَضى مِنَ الزَّمانِ؛ ﴿فِي الأرْضِ﴾؛ أيْ: الَّتِي ضَرَبُوا في المَتاجِرِ بِالسَّيْرِ إلَيْها؛ في الشّامِ؛ واليَمَنِ؛ والعِراقِ؛ ﴿فَيَنْظُرُوا﴾؛ أيْ: فَيَتَسَبَّبُ لَهم عَنْ ذَلِكَ السَّيْرِ أنَّهُ يَتَجَدَّدُ لَهم نَظَرٌ؛ واعْتِبارٌ؛ يَوْمًا مِنَ الأيّامِ؛ فَإنَّ العاقِلَ مَن إذا رَأى شَيْئًا تَفَكَّرَ فِيهِ حَتّى يُعْرَفَ ما يَنْطِقُ بِهِ لِسانُ حالِهِ؛ إنْ خَفِيَ عَنْهُ ما جَرى مِن مَقالِهِ؛ وأشارَ بِسَوْقِهِ في أُسْلُوبِ الِاسْتِفْهامِ إلى أنَّهُ لِعِظَمِهِ خَرَجَ عَنْ أمْثالِهِ؛ فاسْتَحَقَّ السُّؤالَ عَنْ حالِهِ؛ ﴿كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ﴾؛ أيْ: آخِرُ أمْرِ ﴿الَّذِينَ﴾؛ ولَمّا كانَ عَواقِبُ الدَّمارِ في بَعْضِ ما مَضى مِنَ الزَّمانِ؛ أثْبَتَ الجارَّ؛ فَقالَ: ﴿مِن قَبْلِهِمْ﴾؛ أيْ: عَلى أيِّ حالَةٍ كانَ أخْذُهُمْ؛ لِيَعْلَمُوا أنَّهم ما أُخِذُوا إلّا بِتَكْذِيبِ الرُّسُلِ؛ فَيَخافُوا أنْ يَفْعَلُوا مِثْلَ أفْعالِهِمْ؛ فَيَكُونَ حالُهم كَحالِهِمْ؛ وهَذا مَعْنى ”يـس“: ﴿أنَّهم إلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ﴾ [يس: ٣١]؛ سَواءً؛ كَما يَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ (تَعالى) بَيانُهُ؛ ولَمّا كانَ السِّياقُ لِاتِّصافِهِمْ بِقُوَّتَيِ الظّاهِرِ؛ مِنَ الِاسْتِكْبارِ؛ والباطِنِ؛ مِنَ المَكْرِ الضّارِّ؛ مَكَّنَ قُوَّةَ الَّذِينَ خَوَّفَهم بِمِثْلِ مَآلِهِمْ؛ بِوَصْفِهِمْ بِالأشَدِّيَّةِ؛ في جُمْلَةٍ حالِيَّةٍ؛ فَقالَ: ﴿وكانُوا﴾؛ أيْ: أهْلَكْناهم لِتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَنا؛ والحالُ أنَّهم كانُوا ﴿أشَدَّ مِنهُمْ﴾؛ أيْ: مِن هَؤُلاءِ؛ ﴿قُوَّةً﴾؛ في قُوَّتَيْ الِاسْتِكْبارِ؛ والمَكْرِ؛ الجارِّ بَعْدَ العارِ إلى النّارِ. ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: ”فَما أعْجَزَ اللَّهَ أمْرُ أُمَّةٍ مِنهُمْ؛ ولا أمْرُ أحَدٍ مِن أُمَّةٍ؛ حِينَ كَذَّبُوا رَسُولَهُمْ؛ وما خابَ لَهُ ولِيٌّ؛ ولا رَبِحَ لَهُ عَدُوٌّ“؛ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ - مُؤَكِّدًا؛ إشارَةً إلى (p-٧٨)تَكْذِيبِ الكَفَرَةِ في قَطْعِهِمْ بِأنَّ دِينَهم لا يَتَغَيَّرُ؛ وأنَّهم لا يُغْلَبُونَ أبَدًا؛ لِما لَهم مِنَ الكَثْرَةِ؛ والمُكْنَةِ؛ وما لِلْمُسْلِمِينَ مِنَ القِلَّةِ؛ والضَّعْفِ -: ﴿وما كانَ اللَّهُ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ جَمِيعُ العَظَمَةِ؛ وأكَّدَ الِاسْتِغْراقَ في النَّفْيِ؛ بِقَوْلِهِ: ﴿لِيُعْجِزَهُ﴾؛ أيْ: مُرِيدًا لِأنْ يُعْجِزَهُ؛ ولَمّا انْتَفَتْ إرادَةُ العَجْزِ فِيهِ انْتَفى العَجْزُ بِطَرِيقِ الأوْلى؛ وأبْلَغَ في التَّأْكِيدِ بِقَوْلِهِ: ﴿مِن شَيْءٍ﴾؛ أيْ: قَلَّ؛ أوْ جَلَّ؛ وعَمَّ بِما يَصِلُ إلَيْهِ إدْراكُنا؛ بِقَوْلِهِ: ﴿فِي السَّماواتِ﴾؛ أيْ: جِهَةِ العُلُوِّ؛ وأكَّدَ بِإعادَةِ النّافِي؛ فَقالَ: ﴿ولا في الأرْضِ﴾؛ أيْ: جِهَةِ السُّفْلِ؛ ولَمّا كانَ مَنشَأُ العَجْزِ الجَهْلَ؛ عَلَّلَ بِقَوْلِهِ - مُؤَكِّدًا لِما ذُكِرَ في أوَّلِ الآيَةِ -: ﴿إنَّهُ كانَ﴾؛ أيْ: أزَلًا وأبَدًا؛ ﴿عَلِيمًا﴾؛ أيْ: شامِلَ العِلْمِ؛ ﴿قَدِيرًا﴾؛ أيْ: كامِلَ القُدْرَةِ؛ فَلا يُرِيدُ شَيْئًا إلّا كانَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب