الباحث القرآني
ولَمّا كانَ مِن أغْرَبِ الأشْياءِ الدّالَّةِ عَلى تَمامِ القُدْرَةِ؛ الدّالِّ عَلى الوَحْدانِيَّةِ؛ أنْ يَكُونَ شَيْءٌ واحِدٌ سَبَبًا لِسَعادَةِ قَوْمٍ وهُداهُمْ؛ وشَقاوَةِ قَوْمٍ وضَلالِهِمْ وعَماهُمْ؛ وكانَ ذَلِكَ أمْرًا دَقِيقًا؛ وخَطْبًا جَلِيلًا؛ لا يَفْهَمُهُ (p-٤٤)حَقَّ فَهْمِهِ إلّا أعْلى الخَلائِقِ؛ ذَكَّرَ المُخاطَبَ بِهَذا الذِّكْرِ ما يُشاهِدُ مِن آيَتِهِ؛ فَقالَ - عَلى طَرِيقِ الِاسْتِخْبارِ؛ لِوُصُولِ المُخاطَبِ إلى رُتْبَةِ أُولِي الفَهْمِ؛ بِما ساقَ مِن ذَلِكَ - سُبْحانَهُ - عَلى طَرِيقِ الإخْبارِ في قَوْلِهِ: ﴿واللَّهُ الَّذِي أرْسَلَ الرِّياحَ﴾ [فاطر: ٩] ولَفَتَ القَوْلَ إلى الِاسْمِ الأعْظَمِ؛ دَلالَةً عَلى عَظَمَةِ ما في حَيِّزِهِ -: ﴿ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ جَمِيعُ صِفاتِ الكَمالِ؛ ﴿أنْـزَلَ مِنَ السَّماءِ﴾؛ أيْ: التِي لا يَصْعَدُ إلَيْها الماءُ؛ ولا يَسْتَمْسِكُ عَنِ الهُبُوطِ مِنها؛ في غَيْرِ أوْقاتِهِ؛ إلّا بِقُدْرَةٍ باهِرَةٍ؛ لا يُعْجِزُها شَيْءٌ؛ ﴿ماءً﴾؛ أيْ: لا شَيْءَ يُشابِهُهُ في مُماثَلَةِ بَعْضِهِ لِبَعْضٍ؛ فَلا قُدْرَةَ لِغَيْرِهِ - سُبْحانَهُ - عَلى تَمْيِيزِ شَيْءٍ مِنهُ؛ إلى ما يَصْلُحُ لِشَيْءٍ دُونَ آخَرَ.
ولَمّا كانَ أمْرًا فائِتًا لِقُوى العُقُولِ؛ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِالِالتِفاتِ إلى مَظْهَرِ العَظَمَةِ؛ فَقالَ: ﴿فَأخْرَجْنا﴾؛ أيْ: بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ؛ ﴿بِهِ﴾؛ أيْ: الماءِ؛ مِنَ الأرْضِ؛ ﴿ثَمَراتٍ﴾؛ أيْ: مُتَعَدِّدَةَ الأنْواعِ؛ ﴿مُخْتَلِفًا ألْوانُها﴾؛ أيْ: ألْوانُ أنْواعِها؛ وأصْنافِها؛ وهَيْئاتِها؛ وطَبائِعِها؛ فالَّذِي قَدَرَ عَلى المُفاوَتَةِ بَيْنَها؛ وهي مِن ماءٍ واحِدٍ؛ لا يُسْتَبْعَدُ عَلَيْهِ أنْ يَجْعَلَ الدَّلائِلَ بِالكِتابِ وغَيْرِهِ نُورًا لِشَخْصٍ؛ وعَمًى لِآخَرَ. (p-٤٥)ولَمّا ذَكَرَ تَنَوُّعَ ما عَنِ الماءِ؛ وقَدَّمَهُ لِأنَّهُ الأصْلُ في التَّلْوِينِ؛ كَما أنَّهُ الأصْلُ في التَّكْوِينِ؛ أتْبَعَهُ التَّلْوِينَ عَنِ التُّرابِ؛ الَّذِي هو أيْضًا شَيْءٌ واحِدٌ؛ فَقالَ - ذاكِرًا ما هو أصْلَبُ الأرْضِ؛ وأبْعَدُها عَنْ قابِلِيَّةِ التَّأثُّرِ؛ وقَطَعَهُ عَنِ الأوَّلِ لِأنَّ الماءَ لا تَأْثِيرَ لَهُ فِيهِ -: ﴿ومِنَ﴾؛ أيْ: ومِمّا خَلَقْنا مِن ﴿الجِبالِ جُدَدٌ﴾؛ أيْ: طَرائِقُ؛ وعَلاماتٌ؛ وخُطُوطٌ مُتَقاطِعَةٌ؛ ﴿بِيضٌ وحُمْرٌ﴾؛ ولَعَلَّهُ عَبَّرَ عَنْها بِذَلِكَ؛ دُونَ ”طُرُقٌ“؛ إشارَةً إلى أنَّ مِن غَرابَتِها أنَّها لا تَخْلَقُ؛ ولا تَضْمَحِلُّ ألْوانُها؛ عَلى طُولِ الأزْمانِ؛ كَما هو العادَةُ في غالِبِ ما يَتَقادَمُ عَهْدُهُ؛ و”الجَدُّ“؛ بِالفَتْحِ؛ و”الجِدَّةُ“؛ بِالكَسْرِ؛ و”الجَدَدُ“؛ بِالتَّحْرِيكِ: وجْهُ الأرْضِ؛ وجَمْعُهُ ”جِدَدٌ“؛ بِالكَسْرِ؛ و”الجُدَّةُ“؛ بِالضَّمِّ: الطَّرِيقَةُ؛ والعَلامَةُ؛ والخَطُّ في ظَهْرِ الحِمارِ؛ يُخالِفُ لَوْنَهُ؛ وجَمْعُهُ ”جُدَدٌ“؛ كَـ ”غُدَّةٌ“؛ و”غُدَدٌ“؛ و”عُدَّةٌ“؛ و”عُدَدٌ“؛ و”مُدَّةٌ“؛ و”مُدَدٌ“؛ و”الجَدَدُ“؛ مُحَرَّكَةً: ما أشْرَفَ مِنَ الرَّمْلِ؛ وشِبْهُ السَّلْعَةِ بِعُنُقِ البَعِيرِ؛ والأرْضُ الغَلِيظَةُ المُسْتَوِيَةُ؛ و”الجَدْجَدُ“؛ بِالفَتْحِ: الأرْضُ المُسْتَوِيَةُ.
ولَمّا كانَ أبْلَغَ مِن ذَلِكَ أنَّ تِلْكَ الطُّرُقَ في أنْفُسِها غَيْرُ مُتَساوِيَةِ المَواضِعِ في ذَلِكَ اللَّوْنِ الَّذِي تَلَوَّنَتْ بِهِ؛ قالَ (تَعالى) - دالًّا عَلى أنَّ كُلًّا مِن هَذَيْنِ اللَّوْنَيْنِ لَمْ يَبْلُغِ الغايَةَ في الخُلُوصِ -: ﴿مُخْتَلِفٌ ألْوانُها﴾؛ وهي (p-٤٦)مِنَ الأرْضِ؛ وهي واحِدَةٌ؛ ولَمّا قَدَّمَ ما كانَ مُسْتَغْرَبًا في ألْوانِ الأرْضِ؛ لِأنَّهُ عَلى غَيْرِ لَوْنِها الأصْلِيِّ؛ أتْبَعَهُ ما هو أقْرَبُ إلى الغَبَرَةِ؛ الَّتِي هي أصْلُ لَوْنِها.
ولَمّا كانَتْ مادَّةُ ”غَرَبَ“؛ تَدُورُ عَلى الخَفاءِ؛ الَّذِي يَلْزَمُهُ الغُمُوضُ؛ أخْذًا مِن غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ ويَلْزَمُ مِنهُ السَّوادُ؛ ولِذَلِكَ يُؤَكَّدُ الأسْوَدُ بِـ ”غِرْبِيبٌ“؛ مُبالَغَةَ الغَرَبِ؛ كَـ ”فَرَحٌ“؛ أيْ: الأسْوَدِ؛ لِلْمُبالَغَةِ في سَوادِهِ؛ وكانَ المَقْصُودُ الوَصْفَ بِغايَةِ السَّوادِ؛ مُخالَفَةً لِغَيْرِهِ؛ قالَ (تَعالى) - عاطِفًا عَلى ”بِيضٌ“ -: ﴿وغَرابِيبُ﴾؛ أيْ: مِنَ الجُدَدِ أيْضًا؛ ﴿سُودٌ﴾؛ فَقَدَّمَ التَّأْكِيدَ لِدَلالَةِ السِّياقِ عَلى أنَّ أصْلَ العِبارَةِ ”وسُودٌ غَرابِيبُ سُودٌ“؛ فَأضْمَرَ الأوَّلَ؛ لِيَتَقَدَّمَ عَلى المُؤَكَّدِ؛ لِأنَّهُ تابِعٌ؛ ودَلَّ عَلَيْهِ بِالثّانِي لِيَكُونَ مُبالِغًا في تَأْكِيدِهِ غايَةَ المُبالَغَةِ؛ بِالإظْهارِ بَعْدَ الإضْمارِ؛ وهو مَعْنى قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما -: ”أشَدُّ سَوادٍ الغَرَبِيبُ“؛ رَواهُ عَنْهُ البُخارِيُّ؛ لِأنَّ السَّوادَ الخالِصَ في الأرْضِ؛ مُسْتَغْرَبٌ؛ ومِنهُ ما يُصْبَغُ بِهِ الثِّيابُ؛ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ؛ فَتَصِيرُ في غايَةِ السَّوادِ؛ وذَلِكَ في مَدِينَةِ ”فُوَّةَ“؛ و”مسير“؛ وغَيْرِهِما؛ مِمّا داناهُما مِن بِلادِ مِصْرَ.
{"ayah":"أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ ثَمَرَ ٰتࣲ مُّخۡتَلِفًا أَلۡوَ ٰنُهَاۚ وَمِنَ ٱلۡجِبَالِ جُدَدُۢ بِیضࣱ وَحُمۡرࣱ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَ ٰنُهَا وَغَرَابِیبُ سُودࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق