الباحث القرآني

ولَمّا أشارَ إلى بُعْدِ الإيمانِ مِنهم عِنْدَ إرادَتِهِمْ تَناوُلَهُ عِنْدَ فَواتِ أمْرِهِ وعُلُوِّهِ عَنْهم عِنْدَ طَعْنِهِمْ فِيهِ في دارِ العَمَلِ، تَرْجَمَ حالَتَيْهِمْ في (p-٥٣٩)ذَلِكَ عَلى وجْهٍ يَعُمُّ ثَمَراتِ الإيمانِ مِن دُخُولِ الجِنانِ ورِضى الرَّحْمَنِ بِقَوْلِهِ: ﴿وحِيلَ﴾ مُعَبِّرًا بِصِيغَةِ المَجْهُولِ مُشِيرًا إلى أنَّ حُصُولَ الحَيْلُولَةِ بِأسْهَلِ ما يَكُونُ ولِأنَّ المَنكِيَّ [لَهُمْ] نَفْسُ الحَيْلُولَةِ لا كَوْنُها مِن شَخْصٍ مُعَيَّنٍ: ﴿بَيْنَهم وبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ﴾ أيْ يَمِيلُونَ إلَيْهِ مَيْلًا عَظِيمًا مِن تَأْثِيرِ طَعْنِهِمْ وقَبُولِ إيمانِهِمْ عِنْدَ [رُؤْيَةِ]، البَأْسِ ومِن حُصُولِ شَيْءٍ مِن ثَمَراتِهِ لَهم مِن حُسْنِ الثَّوابِ [كَما يَرى الإنْسانُ مِنهم - وهو في غَمَراتِ النّارِ - مَقْعَدَهُ في الجَنَّةِ، الَّذِي كانَ يَكُونُ لَهُ لَوْ آمَنَ ولا يَقْدِرُ عَلى الوُصُولِ إلَيْهِ بِوَجْهٍ، وإنْ خُيِّلَ إلَيْهِ الوُصُولُ فَقَصَدَهُ فَمُنِعَ مِنهُ كانَ أنَكى] ﴿كَما فُعِلَ﴾ [أيْ] بِأيْسَرِ وجْهٍ ﴿بِأشْياعِهِمْ﴾ أيِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِثْلَهم ﴿مِن قَبْلُ﴾ أيْ قَبْلَ [زَمانِهِمْ] فَإنَّ حالَهم [كانَ] كَحالِهِمْ في الكُفْرانِ والإيمانِ، والسَّعادَةِ والخُسْرانِ، ولَمْ يَخْتَلَّ أمْرُنا في أُمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ، بَلْ كانَ كُلَّما كَذَّبَتْ أُمَّةٌ رَسُولَها أخَذْناها، فَإنْ أذَقْناهم بَأْسَنا أذْعَنُوا وخَضَعُوا، فَلَمْ نَقْبَلْ مِنهم ذَلِكَ، ولا نَفَعَهم شَيْئًا لا بِالكَفِّ عَنْ إهْلاكِهِمْ ولا بِإدْراكِهِمْ لِشَيْءٍ مِنَ الخَيْرِ بَعْدَ إهْلاكِهِمْ ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَذِكْرى لِمَن كانَ لَهُ قَلْبٌ أوْ ألْقى السَّمْعَ وهو شَهِيدٌ﴾ [ق: ٣٧] ثُمَّ عَلَّلَ عَدَمَ الوُصُولِ إلى قَصْدٍ في كُلٍّ مِنَ الحالَتَيْنِ بِقَوْلِهِ مُؤَكِّدًا لِإنْكارِهِمْ أنْ يَكُونَ عِنْدَهم شَيْءٌ مِن شَكٍّ في شَيْءٍ مِن أمْرِهِمْ: ﴿إنَّهم كانُوا﴾ أيْ (p-٥٤٠)فِي دارِ القَبُولِ كَوْنًا هو كالجِبِلَّةِ لَهم ﴿فِي شَكٍّ﴾ أيْ في جَمِيعِ ما يُخْبِرُهم بِهِ رُسُلُنا عَنّا مِنَ الجَزاءِ أوْ غَيْرِ ذَلِكَ ﴿مُرِيبٍ﴾ أيْ مَوْقِعٍ [فِي] الرِّيبَةِ، فَهو بَلِيغٌ في بابِهِ كَما يُقالُ: عَجَبٌ عَجِيبٌ، أوْ هو واقِعٌ في الرَّيْبِ كَما يُقالُ: شِعْرُ شاعِرٍ، أيْ: ذُو شِعْرٍ، فَكَيْفَ يَقْبَلُونَ أوْ يَنْفُذُ طَعْنُهم أوْ تَحْصُلُ لَهم ثَمَرَةٌ طَيِّبَةٌ وهو عَلى غَيْرِ بَصِيرَةٍ في شَيْءٍ مِن أمْرِهِمْ بَلْ كانُوا يَشُكُّونَ في قُدْرَتِنا وعَظَمَتِنا، فاللّائِقُ بِالحِكْمَةِ أنْ نُبَيِّنَ لَهُمُ العَظَمَةَ بِالعَذابِ [لَهُمْ] والثَّوابِ لِأحْبابِنا الَّذِينَ عادَوْهم فِينا فَتَبَيَّنَ أنَّهم يُؤْمِنُونَ [بِهِ] عِنْدَ ظُهُورِ الحَمْدِ أتَمَّ الظُّهُورِ إمّا في الآخِرَةِ أوْ في مُقَدِّماتِها، فَظَهَرَ سِرُّ الإفْصاحِ بِقَوْلِهِ ﴿ولَهُ الحَمْدُ في الآخِرَةِ﴾ [سبإ: ١] وأنَّهُ حالَ سُبْحانَهُ بَيْنَهم وبَيْنَ ما يُرِيدُونَ، فَتَبَيَّنَ أنَّهُ مالِكُ كُلِّ شَيْءٍ فَصَحَّ أنَّ لَهُ الحَمْدَ في الأُولى وفي كُلِّ حالَةٍ - وقَدْ تَعانَقَ آخِرُها مَعَ أوَّلِها، والتَحَمَ مَقْطَعُها بِمُوصِلِها - واللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى هو المُسْتَعانُ وإلَيْهِ المَرْجِعُ والمَآبُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب