الباحث القرآني
ولَمّا أخْبَرَ أنَّهم أبَوا الإيمانَ بِالقُرْآنِ، المُخْبِرِ بِالغَيْبِ مِن أمْرِ الرَّحْمَنِ (p-٥٢٣)الَّذِي هَدَتْ إلَيْهِ العُقُولَ، وشاهَدَتْ آثارَهُ العُيُونُ. في هَذا الكَلامِ المُعْجِزِ، فَتَظافَرَتْ عَلى ما أخْبَرَتْ بِهِ أدِلَّةُ السَّمْعِ والبَصَرِ والعَقْلِ، وخَتَمَ بِأنَّهم آمَنُوا بِالجِنِّ غَيْبًا وعَبَدُوهم مِن دُونِ اللَّهِ بِما لَمْ يَدْعُ إلَيْهِ عَقْلٌ ولا نَقْلٌ، وصَدَّقُوهم مِنَ الإخْبارِ بِما إنْ صَدَقُوا في شَيْءٍ مِنهُ خَلَطُوا مَعَهُ أكْثَرَ مِن مِائَةِ كِذْبَةٍ، وسَلَبَ أعْظَمَ مَنِ ادَّعَوْا أنَّهُمُ اسْتَنَدُوا إلَيْهِ النَّفْعَ والضُّرَّ، وأسْنَدَ تَعْذِيبَهم إلى تَكْذِيبِهِمْ، أتْبَعَهُ الإخْبارَ بِأنَّهم لازَمُوا الإصْرارَ عَلى ذَلِكَ الكُفْرِ والتَّكْذِيبِ بِما كُلُّهُ صِدْقٌ وحُكْمٌ فَقالَ: ﴿وإذا تُتْلى﴾ أيْ في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ مِن أيِّ تالٍ كانَ ﴿عَلَيْهِمْ﴾ [أيْ خاصَّةً لَمْ يَشْرَكْهم غَيْرُهم لِيَقُولُوا: إنَّهُ المَقْصُودُ بِالتِّلاوَةِ، فَلا يَلْزَمُهُمُ الِاسْتِماعُ] ﴿آياتُنا﴾ حالَ كَوْنِها ﴿بَيِّناتٍ﴾ ما قالَتْ شَيْئًا إلّا ظَهَرَتْ حَقِّيَّتُهُ ﴿قالُوا﴾ [أيْ عَلى الفَوْرِ مِن غَيْرِ تَأمُّلٍ لِما حَمَلَهم عَلى ذَلِكَ مِن حَظِّ النَّفْسِ].
ولَمّا كانَ المُسْتَكْبِرُونَ يَرَوْنَ ما لِلرِّسالَةِ مِنَ الظُّهُورِ، ولِلرَّسُولِ مِنَ القَبُولِ، وأنَّ أتْباعَهم قَدْ ظَهَرَ لَهم ذَلِكَ، فَمالُوا إلَيْهِ بِكُلِّيّاتِهِمْ، أكَّدَهُ قَوْلُهُمْ: ﴿ما هَذا﴾ [أيِ] التّالِي لَها عَلى ما فِيهِ مِنَ السَّمْتِ المُعْلِمِ بِأنَّهُ أصْدَقُ الخَلْقِ وأعْلاهم هِمَّةً وأبْيَنُهم نَصِيحَةً ﴿إلا رَجُلٌ﴾ أيْ مَعَ كَوْنِهِ واحِدًا هو مِثْلُ واحِدٍ مِن رِجالِكُمْ، وتَزِيدُونَ عَلَيْهِ أنْتُمْ بِالكَثْرَةِ، (p-٥٢٤)ولَمْ يُسْنِدُوا الفِعْلَ إلَيْهِمْ نَفْيًا لِلْغَرَضِ عَنْ أنْفُسِهِمْ وإلْهابًا لِلْمُخاطَبِينَ فَقالُوا: ﴿يُرِيدُ أنْ يَصُدَّكُمْ﴾ أيْ بِهَذا الَّذِي يَتْلُوهُ ﴿عَمّا كانَ﴾ [دائِمًا] ﴿يَعْبُدُ آباؤُكُمْ﴾ أيْ لا قَصْدَ لَهُ إلّا ذَلِكَ لِتَكُونُوا لَهُ أتْباعًا، وألْهَبُوا السّامِعِينَ بِتَصْوِيرِ آبائِهِمْ بِذِكْرِ ”كانَ“ والفِعْلِ المُضارِعِ مُلازِمِينَ لِلْعِبادَةِ لِيَثْبُتُوا عَلى كُفْرِهِمْ بِما لا دَلِيلَ عَلَيْهِ ولا شُبْهَةَ ولا داعٍ سِوى التَّقْلِيدِ.
ولَمّا كانَتْ أدِلَّةُ الكِتابِ واضِحَةً، خافُوا عاقِبَتَها في قَبُولِ الِاتِّباعِ لَها، فَجَزَمُوا بِأنَّها كَذِبٌ لِيُوقِفُوهم بِذَلِكَ، فَحَكى ذَلِكَ عَنْهم سُبْحانَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وقالُوا ما هَذا﴾ أيِ القُرْآنُ ﴿إلا إفْكٌ﴾ أيْ كَذِبٌ مَصْرُوفٌ عَنْ وجْهِهِ ﴿مُفْتَرًى﴾ أيْ مُتَعَمَّدٌ ما فِيهِ مِنَ الصَّرْفِ.
ولَمّا كانَ فِيهِ ما لا يَشُكُّ أحَدٌ في حَقِّيَّتِهِ، لَبَّسُوا عَلَيْهِمْ بِأنَّهُ خَيالٌ يُوشِكُ أنْ يَنْكَشِفَ إيقافًا لَهم إلى وقْتٍ ما، فَقالَ تَعالى إخْبارًا عَنْهُمْ: ﴿وقالَ﴾ ولَمّا كانَ الحَقُّ قَدْ يَخْفى، ولَمْ يُقَيِّدْهُ بِالبَيانِ كَما فَعَلَ في الآياتِ، أظْهَرَ مَوْضِعَ الإضْمارِ بَيانًا لِلْوَصْفِ الحامِلِ لَهم عَلى ذَلِكَ القَوْلِ وهو التَّدْلِيسُ، فَقالَ: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أيْ سَتَرُوا ما دَلَّتْ عَلَيْهِ العُقُولُ مِن حَقِّيَّةِ القُرْآنِ،
﴿لِلْحَقِّ﴾ أيِ الَّذِي لا أثْبَتُ مِنهُ بِاعْتِبارِ كَمالِ الحَقِّيَّةِ فِيهِ ﴿لَمّا جاءَهُمْ﴾ أيْ مِن غَيْرِ أنْ يُمْهِلُوا النَّظَرَ ولا تَدَبَّرَ لِيُقالَ إنَّ الدّاعِيَ لَهم إلى ما قالُوا نَوْعُ شُبْهَةٍ عَرَضَتْ لَهُمْ، بَلْ أظْهَرُوا بِالمُسارَعَةِ إلى الطَّعْنِ أنَّهُ مِمّا لا يَتَوَقَّفُ فِيهِ، وأكَّدُوا لِما تَقَدَّمَ مِن خَوْفِهِمْ عَلى أتْباعِهِمْ (p-٥٢٥)لِيُخَيِّلُوهم فَقالُوا: ﴿إنْ﴾ أيْ ما ﴿هَذا﴾ أيِ الثّابِتَ الَّذِي لا يَكُونُ شَيْءٌ أثْبَتَ مِنهُ ﴿إلا سِحْرٌ﴾ أيْ خَيالٌ لا حَقِيقَةَ لَهُ ﴿مُبِينٌ﴾ أيْ ظاهِرُ العَوارِ جِدًّا، فَهو يُنادِي عَلى نَفْسِهِ بِذَلِكَ، فَلا تَغْتَرُّوا بِما فِيهِ مِمّا تَمِيلُ النُّفُوسُ ويُؤَثِّرُ في القُلُوبِ، ولَقَدِ انْصَدَّ لِعَمْرِي بِهَذا التَّلْبِيسِ - مَعَ أنَّ [فِي] نِسْبَتِهِمْ لَهُ إلى السِّحْرِ الِاعْتِرافُ بِالعَجْزِ - بَشَرٌ كَثِيرٌ بُرْهَةً حَتّى هُدى اللَّهُ بَعْضَهُمْ، وتَمادى بِالآخَرِينَ الأمْرُ حَتّى ماتُوا عَلى ضَلالِهِمْ، مَعَ أنَّهُ كانَ يَنْبَغِي لِكُلِّ مَن رَأى مُبادَرَتَهم وتَحَرُّقَهم أنْ يَعْرِفَ أنَّهم مُتَغَرِّضُونَ، لَمْ يَحْمِلْهم عَلى ذَلِكَ إلّا الحُظُوظُ النَّفْسانِيَّةُ، والعُلَقُ الشَّهْوانِيَّةُ، قالَ الطُّفَيْلُ ابْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ ذُو النُّورِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَقَدْ أكْثَرُوا عَلَيَّ في أمْرِهِ حَتّى حَشَوْتُ في أُذُنَيَّ الكُرْسُفَ خَوْفًا مِن أنْ يَخْلُصَ إلَيَّ شَيْءٌ مِن كَلامِهِ فَيَفْتِنَنِي، ثُمَّ أرادَ اللَّهُ بِي الخَيْرَ فَقُلْتُ: واثَكْلَ أُمِّي إنِّي واللَّهِ لَبِيبٌ عاقِلٌ شاعِرٌ، ولِي مَعْرِفَةٌ بِتَمْيِيزِ غَثِّ الكَلامِ مَن سَمِينِهِ، فَما لِي لا أسْمَعُ مِنهُ، فَإنْ كانَ حَقًّا تَبِعْتُهُ، وإنْ كانَ (p-٥٢٦)باطِلًا كُنْتُ مِنهُ عَلى بَصِيرَةٍ - أوْ كَما قالَ، قالَ: فَقَصَدْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَقُلْتُ: اعْرِضْ عَلَيَّ ما جِئْتَ بِهِ، فَلَمّا عَرَضَهُ عَلَيَّ بِأبِي هو وأُمِّي ما سَمِعْتُ قَوْلًا قَطُّ أحْسَنَ مِنهُ ولا أمْرًا أعْدَلَ مِنهُ فَما تَوَقَّفْتُ في أنْ أسْلَمْتُ، ثُمَّ سَألَ النَّبِيَّ ﷺ أنْ يَدْعُوَ اللَّهَ لَهُ [أنْ يُعْطِيَهُ] آيَةً تُعِينُهُ عَلى قَوْمِهِ، فَلَمّا أشْرَفَ عَلى حاضِرِ قَوْمِهِ كانَ لَهُ نُورٌ في جَبْهَتِهِ، فَخَشِيَ أنْ يَظُنُّوا أنَّها مُثْلَةٌ، فَدَعا بِتَحْوِيلِهِ، فَتَحَوَّلَ في طَرَفٍ سَوْطِهِ، فَأعانَهُ اللَّهُ عَلى قَوْمِهِ [فَأسْلَمُوا].
{"ayah":"وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتُنَا بَیِّنَـٰتࣲ قَالُوا۟ مَا هَـٰذَاۤ إِلَّا رَجُلࣱ یُرِیدُ أَن یَصُدَّكُمۡ عَمَّا كَانَ یَعۡبُدُ ءَابَاۤؤُكُمۡ وَقَالُوا۟ مَا هَـٰذَاۤ إِلَّاۤ إِفۡكࣱ مُّفۡتَرࣰىۚ وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَاۤءَهُمۡ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّا سِحۡرࣱ مُّبِینࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق