الباحث القرآني
ولَمّا خَتَمَ بِوَصْفِ الحِكْمَةِ فَتَمَّ بُرْهانُ القُدْرَةِ الَّتِي كانَ أوْجَبَ اعْتِقادَهم لِعَدَمِ البَعْثِ ما يَقْتَضِي نَقْصًا فِيها، ولَزِمَ عَنْ ذَلِكَ التَّوْحِيدُ وبَطَلَ الشِّرْكُ، لَمْ يَبْقَ إلّا إثْباتُ الرِّسالَةِ الَّتِي أوْجَبَ تَرْدِيدَهم (p-٥٠٤)أخْبارَهُ ﷺ بَيْنَ الكَذِبِ والجُنُونِ والطَّعْنِ فِيها، فَعُلِمَ أنَّ التَّقْدِيرَ: أرْسَلَ إلَيْكم رَسُولَهُ بِعِزَّتِهِ مُؤَيِّدًا لَهُ بِإعْجازِ هَذا القُرْآنِ بِحِكْمَتِهِ دَلِيلًا عَلى صِدْقِهِ وكَمالِهِ في جِبِلَّتِهِ وتَأهُّلِهِ لِبَدائِعِ نِعْمَتِهِ ومَعالِي رَحْمَتِهِ، وكانَ في ذَلِكَ دَلِيلُ الصِّدْقِ في الرِّسالَةِ؛ فَنَسَّقَ بِهِ قَوْلَهُ مُعْلِيًا لِشَأْنِهِ بِالخِطابِ في مَظْهَرِ العَظَمَةِ، إشارَةً إلى أنَّهُ يَنْبَغِي أنْ يَتَدَرَّعَ جَلابِيبَ الصَّبْرِ عَلى جَمِيعِ المَكارِهِ الصّادِرَةِ مِن أنْواعِ الخَلْقِ في أداءِ الرِّسالَةِ بِقَوْلِهِ عاطِفًا عَلى ﴿ولَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنّا فَضْلا﴾ [سبإ: ١٠] مُؤَكِّدًا تَكْذِيبًا لِمَن يَدَّعِي الخُصُوصَ: ﴿وما أرْسَلْناكَ﴾ أيْ بِعَظَمَتِنا ﴿إلا كافَّةً﴾ أيْ إرْسالًا عامًّا شامِلًا لِكُلِّ ما شَمِلَهُ إيجادُنا، تَكُفُّهم عَمّا لَعَلَّهم أنْ يَنْتَشِرُوا إلَيْهِ مِن مُتابَعَةِ الأهْوِيَةِ، وتَمْنَعُهم عَنْ أنْ يَخْرُجَ عَنْها مِنهم أحَدٌ، فالتّاءُ في ”كافَّةً“ لِلْمُبالَغَةِ، وعِبارَةُ ابْنِ الجَوْزِيِّ: أيْ عامَّةً لِجَمِيعِ الخَلائِقِ ﴿لِلنّاسِ﴾ أيْ كُلٍّ مِن فِيهِ قابِلِيَّةٌ لِأنْ يَنُوسَ مِنَ الجِنِّ والإنْسِ وغَيْرِهِمْ مِن جَمِيعِ ما سِوى اللَّهِ وإنْ آذَوْكَ بِكُلِّ أذًى مِنَ النِّسْبَةِ إلى الِافْتِراءِ أوِ الجُنُونِ أوْ غَيْرِهِما، فَحالُ الإرْسالِ مَحْصُورٌ في العُمُومِ لِلْغَرَضِ الَّذِي ذُكِرَ مِنَ التَّدَرُّعِ لِحَمْلِ المَشاقِّ، لا في النّاسِ، فَإنَّهُ لَوْ أُرِيدَ ذَلِكَ لَقُدِّمُوا فَقِيلَ: إلّا لِلنّاسِ كافَّةً، (p-٥٠٥)وقَدْ مَضى في أوائِلِ الأنْعامِ عَنِ السُّبْكِيِّ ما يَنْفَعُ هُنا، والمَعْنى أنَّ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ فُضِّلَ بِطاعَةِ الجِبالِ لَهُ والطَّيْرِ والحَدِيدِ، وسُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِما ذُكِرَ لَهُ، فَفَضِيلَتُكَ أنْتَ بِالإرْسالِ إلى كُلِّ مَن يُمْكِنُ نَوْسُهُ، فالحَصا سَبَّحَتْ في كَفِّكَ، والجِبالُ أُمِرَتْ بِالسَّيْرِ مَعَكَ ذَهَبًا وفِضَّةً، والحُمْرَةُ شَكَتْ إلَيْكَ أخْذَ فِراخِها أوْ بَيْضِها، والضَّبُّ شَهِدَ لَكَ، والجَمَلُ شَكا إلَيْكَ وسَجَدَ لَكَ، والأشْجارُ أطاعَتْكَ، والأحْجارُ سَلَّمَتْ عَلَيْكَ وائْتَمَرَتْ بِأمْرِكَ إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِن كُلٍّ مَن يَنُوسُ بِالفِعْلِ أوِ القابِلِيَّةِ. واللَّهُ أعْلَمُ، وأمّا الجِنُّ فَحالُهم مَشْهُورٌ، وأمّا المَلائِكَةُ فالدَّلائِلُ عَلى الإرْسالِ إلَيْهِمْ في غايَةِ الظُّهُورِ، [وفِي دَلائِلَ النُّبُوَّةِ في بابِ التَّحَدُّثِ بِالنِّعْمَةِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنَّ هَذِهِ الآيَةَ دَلِيلٌ عَلى فَضْلِ النَّبِيِّ ﷺ عَلى الأنْبِياءِ بِعُمُومِ الرِّسالَةِ لِلْإنْسِ والجِنِّ].
ولَمّا كانَتِ البِشارَةُ هي الخَبَرَ الأوَّلَ الصِّدْقَ السّارِّ، وكانَ في ذِكْرِها رَدُّ قَوْلِهِمْ في الكَذِبِ والجُنُونِ، قالَ: ﴿بَشِيرًا ونَذِيرًا﴾ أيْ لِمَن أهْلٌ لِلْبِشارَةِ أوِ النِّذارَةِ. ولَمّا كانَ هَذا الإرْسالُ مَقْرُونًا بِدَلِيلِهِ مِنَ الإتْيانِ بِالمُعْجِزِ مِن نَفْسِهِ مِن جِهَةِ البَلاغَةِ في نَظْمِهِ وبِالمَعانِي المُحْكَمَةِ في البِشارَةِ والنِّذارَةِ وغَيْرِ ذَلِكَ، قَلَبَ عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمُ الَّذِي لا دَلِيلَ عَلَيْهِ (p-٥٠٦)ولا شُبْهَةَ تُصَوَّبُ إلَيْهِ في حَقِّهِ ﷺ بِقَوْلِهِ الَّذِي [هُوَ] أوْضَحُ مِنَ الشَّمْسِ دَلِيلًا، وأقْوَمُ كُلِّ قِيلٍ قِيلًا: ﴿ولَكِنَّ﴾ ولَمّا كانَ النّاسُ الأوَّلِينَ كُلَّ مَن فِيهِ قابِلِيَّةُ النَّوْسِ وهم جَمِيعُ الخَلائِقِ وأكْثَرُهم [غَيْرُ] عاصٍ، أظْهَرَ مُرِيدًا الثَّقَلَيْنِ مِنَ الجِنِّ والإنْسِ فَقالَ: فَأكْثَرُ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ أيْ لَيْسَ لَهم قابِلِيَّةُ العِلْمِ فَيَعْلَمُوا أنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فَضْلًا عَنْ أنَّ إرْسالَكَ عامٌّ، بَلْ هم كالأنْعامِ، فَهم لِذَلِكَ لا يَتَأمَّلُونَ فَيَقُولُونَ ”افْتَرى أمْ بِهِ جِنَّةٌ“ ونَحْوُ هَذا مِن غَيْرِ تَدَبُّرٍ لِما في هَذا الكِتابِ مِنَ الحِكْمَةِ والصَّوابِ مَعَ الإعْجازِ في حالَيِ الإطْنابِ والإيجازِ، والإضْمارِ والإبْرازِ، فَيَحْمِلُهم جَهْلُهم عَلى المُخالَفَةِ والإعْراضِ.
{"ayah":"وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا كَاۤفَّةࣰ لِّلنَّاسِ بَشِیرࣰا وَنَذِیرࣰا وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق