الباحث القرآني
ولَمّا كانَ قَدْ بَقِيَ مِن أقْسامِ النَّفْعِ الشَّفاعَةُ، وكانَ المَقْصُودُ مِنها أثَرَها لا عَيْنَها، نَفاهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ولا تَنْفَعُ﴾ أيْ في أيِّ وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ ﴿الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ﴾ أيْ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ بِشَيْءٍ مِنَ الأشْياءِ ﴿إلا لِمَن﴾ ولَمّا كانَتْ كَثافَةُ الحِجابِ أعْظَمَ في الهَيْبَةِ، وكانَ البِناءُ لِلْمَجْهُولِ أدَلَّ عَلى كَثافَةِ الحِجابِ، قالَ في قِراءَةِ أبِي عَمْرٍو وحَمْزَةَ والكِسائِيِّ بِجَعْلِ المَصْدَرِ عُمْدَةَ الكَلامِ وإسْنادِ الفِعْلِ إلَيْهِ: ﴿أذِنَ لَهُ﴾ أيْ وقَعَ مِنهُ (p-٤٩٥)إذْنٌ لَهُ عَلى لِسانِ مَن شاءَ مِن جُنُودِهِ بِواسِطَةٍ واحِدَةٍ أوْ أكْثَرَ في أنْ يَشْفَعَ في غَيْرِهِ أوْ في أنْ يَشْفَعَ [فِيهِ] غَيْرُهُ، وقِراءَةُ الباقِينَ بِالبِناءِ لِلْفاعِلِ تَدُلُّ عَلى العَظَمَةِ مِن وجْهٍ آخَرَ، وهو أنَّهُ لا افْتِياتَ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ مَن أحَدٍ ما، بَلْ لا أنْ يَنُصَّ هو سُبْحانَهُ عَلى الإذْنِ، وإلّا فَلا اسْتِطاعَةَ عَلَيْهِ أصْلًا.
ولَمّا كانَ مِنَ المَعْلُومِ أنَّ المَوْقُوفِينَ في مَحَلِّ خَطَرٍ لِلْعَرْضِ عَلى مَلِكٍ مَرْهُوبٍ مَتى نُودِيَ بِاسْمِ أحَدٍ مِنهم فَقِيلَ أيْنَ فُلانٌ يَنْخَلِعُ قَلْبُهُ ورُبَّما أُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَلِذَلِكَ كانَ مِنَ المَعْلُومِ مِمّا مَضى أنَّهُ مَتى بَرَزَ النِّداءُ مِن قِبَلِهِ تَعالى في ذَلِكَ المَقامِ الَّذِي تُرى فِيهِ كُلُّ أُمَّةٍ جاثِيَةً يُغْشى عَلى الشّافِعِينَ والمَشْفُوعِ لَهُمْ، فَلِذَلِكَ حَسُنَ كُلَّ الحُسْنِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿حَتّى﴾ وهو غايَةٌ لِنَحْوِ أنْ يُقالَ: فَإذا أذِنَ لَهُ وقَعَ الصَّعْقُ لِجَلالِهِ وكِبْرِيائِهِ وكَمالِهِ حَتّى ﴿إذا فُزِّعَ﴾ أيْ أُزِيلَ الفَزَعُ بِأيْسَرِ أمْرٍ وأهْوَنِ سَعْيٍ مِن أمْرِهِ سُبْحانَهُ - هَذا في قِراءَةِ الجَماعَةِ بِالبِناءِ لِلْمَجْهُولِ، وأزالَ هو سُبْحانَهُ الفَزَعَ في قِراءَةِ ابْنِ عامِرٍ ويَعْقُوبَ، إشارَةً إلى أنَّهُ لا يَخْرُجُ عَنْ أمْرِهِ شَيْءٌ ﴿عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ أيِ الشّافِعِينَ والمَشْفُوعِ لَهُمْ، فَإنَّ ”فَعَّلَ“ (p-٤٩٦)يَأْتِي لِلْإزالَةِ كَقَذَّيْتُ عَيْنَهُ، إذا أزَلْتَ عَنْها القَذى ﴿قالُوا﴾ أيْ قالَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ: ﴿ماذا قالَ رَبُّكُمْ﴾ ذاكِرِينَ صِفَةَ الإحْسانِ لِيَرْجِعَ إلَيْهِمْ رَجاؤُهم فَتَسْكُنَ لِذَلِكَ قُلُوبُهم.
ولَمّا كانَ مُلُوكُ الدُّنْيا رُبَّما قالَ بَعْضُهم قَوْلًا ثُمَّ بَدا لَهُ فَرَجَعَ عَنْهُ، أوْ عارَضَهُ فِيهِ شَخْصٌ مِن أعْيانِ جُنْدِهِ فَيَنْتَقِضُ، أخْبَرَ أنَّ المَلِكَ الدَّيّانَ لَيْسَ كَذَلِكَ فَقالَ: ﴿قالُوا الحَقَّ﴾ أيِ الثّابِتَ الَّذِي لا يُمْكِنُ أنْ يُبَدَّلَ، بَلْ يُطابِقُهُ الواقِعُ فَلا يَكُونُ شَيْءٌ يُخالِفُهُ ﴿وهُوَ العَلِيُّ﴾ أيْ فَلا رُتْبَةَ إلّا دُونَ رُتْبَتِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى، فَلا يَقُولُ غَيْرَ الحَقِّ مِن نَقْصِ عِلْمٍ ﴿الكَبِيرُ﴾ أيِ الَّذِي لا كَبِيرَ غَيْرُهُ فَيُعارِضُهُ في شَيْءٍ مِن حُكْمٍ؛ رَوى البُخارِيُّ في التَّفْسِيرِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: إنَّ النَّبِيَّ ﷺ [قالَ]: «إذا قَضى اللَّهُ الأمْرَ في السَّماءِ ضَرَبَتِ المَلائِكَةُ بِأجْنِحَتِها خُضْعانًا لِقَوْلِهِ كَأنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلى صَفْوانٍ ﴿إذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكم قالُوا﴾ - لِلَّذِي قالَ - ﴿الحَقَّ وهو العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾ فَيَسْمَعُها مُسْتَرِقُ السَّمْعِ، ومُسْتَرِقُ السَّمْعِ هَكَذا بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ - [و] وصَفَهُ سُفْيانُ بِكَفِّهِ فَحَرَّفَها وبَدَّدَ بَيْنَ أصابِعِهِ - فَيَسْمَعُ (p-٤٩٧)الكَلِمَةَ ويُلْقِيها إلى مَن تَحْتِهِ، ثُمَّ يُلْقِيها الآخَرُ إلى مَن تَحْتِهِ حَتّى يُلْقِيَها عَلى لِسانِ السّاحِرِ أوِ الكاهِنِ، فَرُبَّما أدْرَكَهُ الشِّهابُ قَبْلَ أنْ يُلْقِيَها، ورُبَّما ألْقاها قَبْلَ أنْ يُدْرِكَهُ فَيَكْذِبُ مَعَها مِائَةَ كِذْبَةٍ فَيُقالُ: ألَيْسَ [قَدْ] قالَ لَنا يَوْمَ كَذا وكَذا كَذا وكَذا، فَيَصْدُقُ بِتِلْكَ الكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّماءِ» وقالَ في التَّوْحِيدِ: وقالَ مَسْرُوقٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: ”وإذا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالوَحْيِ سَمِعَ أهْلُ السَّماواتِ فَإذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ وسَكَنَ الصَّوْتُ عَرَفُوا أنَّهُ الحَقُّ ونادَوْا ماذا قالَ رَبُّكم قالُوا الحَقَّ“ [ورَوى هَذا الحَدِيثَ العَيْنِيُّ في جُزْئِهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما مَوْقُوفًا عَلَيْهِ قالَ: كانَ لِكُلِّ قُبَيْلٍ مِنَ الجِنِّ مَقْعَدٌ مِنَ السَّماءِ يَسْمَعُونَ فِيهِ الوَحْيَ، وفِيهِ: فَلا يَنْزِلُ عَلى سَماءٍ إلّا صَفَّقُوا، وفي آخِرِهِ: ثُمَّ يُقالُ: يَكُونُ العامُ كَذا ويَكُونُ العامُ كَذا، فَتَسْمَعُ الجِنُّ ذَلِكَ فَتُخْبِرُ بِهِ الكَهَنَةُ النّاسَ فَيَجِدُونَهُ كَما قالُوا، فَلَمّا بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ ﷺ دُحِرُوا، فَقالَتِ العَرَبُ: هَلَكَ مَن في السَّماءِ، فَذَكَرَ ذَبْحَ العَرَبِ لِأمْوالِهِمْ مِنَ الإبِلِ وغَيْرِها، حَتّى نَهَتْهم ثَقِيفٌ، واسْتَدَلُّوا بِثَباتِ مُعَلِّمِ النُّجُومِ، ثُمَّ أمَرَ إبْلِيسُ جُنْدَهُ بِإحْضارِ التُّرابِ وشَمِّهِ حَتّى عَرَفَ أنَّ الحَدَثَ مِن مَكَّةَ].
{"ayah":"وَلَا تَنفَعُ ٱلشَّفَـٰعَةُ عِندَهُۥۤ إِلَّا لِمَنۡ أَذِنَ لَهُۥۚ حَتَّىٰۤ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمۡ قَالُوا۟ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمۡۖ قَالُوا۟ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِیُّ ٱلۡكَبِیرُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











