الباحث القرآني

ولَمّا خَتَمَ بِصِفَةِ الخَبَرِ، أتْبَعَ ذَلِكَ ما يَدُلُّ عَلَيْهِ فَقالَ: ﴿يَعْلَمُ ما يَلِجُ في الأرْضِ﴾ أيْ هَذا الجِنْسِ مِنَ المِياهِ والأمْوالِ، والأمْواتِ، وقَدَّمَ هَذا لِأنَّ الشَّيْءَ يَغِيبُ في التُّرابِ أوَّلًا ثُمَّ يُسْقى فَيَخْرُجُ﴿وما يَخْرُجُ مِنها﴾ مِنَ المِياهِ والمَعادِنِ والنَّباتِ ﴿وما يَنْـزِلُ مِنَ السَّماءِ﴾ أيْ هَذا الجِنْسُ مِن حَرارَةٍ وبُرُودَةٍ وماءٍ ومُلْكٍ وغَيْرِ ذَلِكَ ﴿وما يَعْرُجُ﴾ ولَمّا كانَتِ السَّماواتُ أجْسامًا كَثِيفَةً مُتَراقِيَةً، لَمْ يُعَبِّرْ (p-٤٤٣)بِحَرْفِ الغايَةِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر: ١٠] بَلْ قالَ: ﴿فِيها﴾ أيْ مِنَ الأعْمالِ والمَلائِكَةِ وكُلِّ ما يَتَصاعَدُ مِنَ الأرْضِ في جِهَةِ العُلُوِّ وأنْتُمْ كَما تَرَوْنَهُ يُمَيِّزُ كُلَّ شَيْءٍ عَنْ مُشابِهِهِ، فَيُمَيِّزُ ما لَهُ أهْلِيَّةُ التَّوَلُّدِ مِنَ الماءِ والتُّرابِ في الأرْضِ مِنَ النَّباتاتِ عَنْ بَقِيَّةِ الماءِ والتُّرابِ عَلى اخْتِلافِ أنْواعِهِ مُمَيِّزًا بَعْضَهُ مِن بَعْضٍ، ومِنَ المَعادِنِ الذَّهَبُ والفِضَّةُ والحَدِيدُ والنُّحاسُ والرَّصاصُ إلى غَيْرِ ذَلِكَ، مَعَ أنَّ الكُلَّ ما يُخالِطُ الزّابَّ، فَكَيْفَ يَسْتَبْعِدُ عَلَيْهِ أنْ يُحْيِيَ المَوْتى لِعُسْرِ تَمْيِيزِ تُرابِ كُلِّ مَيِّتٍ بَعْدَ التَّمَزُّقِ والِاخْتِلاطِ مِن تُرابٍ آخَرَ. ولَمّا كانَ الحاصِلُ مِن هَذا المُتَقَدِّمِ أنَّهُ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ، وكانَ الرَّبُّ لا تَنْتَظِمُ رُبُوبِيَّتُهُ إلّا بِالرِّفْقِ والإصْلاحِ، وكانَ رُبَّما ظَنَّ جاهِلٌ أنَّهُ لا يَعْلَمُ أعْمالَ الخَلائِقِ لِأنَّهُ لَوْ عَلِمَها ما أقَرَّ عَلَيْها، أعْلَمَ أنَّ رَحْمَتَهُ سَبَقَتْ غَضَبَهُ، ولِذَلِكَ قَدَّمَ صِفَةَ الرَّحْمَةِ، ولِأنَّهُ في سِياقِ الحَمْدِ، فَناسَبَ تَقْدِيمَ الوَصْفِ النّاظِرِ إلى التَّكْمِيلِ عَلى الوَصْفِ النّافِي لِلنَّقْصِ فَقالَ: ﴿وهُوَ﴾ أيْ والحالُ أنَّهُ وحْدَهُ مَعَ كَثْرَةِ نِعَمِهِ المُقِيمَةِ لِلْأبْدانِ ﴿الرَّحِيمُ﴾ أيِ المُنْعِمُ بِما تَرْضاهُ الإلَهِيَّةُ مِن إنْزالِ الكُتُبِ وإرْسالِ الرُّسُلِ لِإقامَةِ الأدْيانِ ﴿الغَفُورُ﴾ أيِ المَحّاءُ لِلذُّنُوبِ أمّا مَنِ اتَّبَعَ ما أنْزَلَ مِن ذَلِكَ كَما بَلَّغَتْهُ الرُّسُلُ فَبِالمَحْوِ عَيْنًا وأثَرًا حَتّى لا يُعاقِبَهم عَلى ما سَلَفَ مِنها (p-٤٤٤)ولا يُعاتِبَهُمْ، وأمّا غَيْرُهُ فالتَّكْفِيرُ بِأنْواعِ المِحَنِ أوِ التَّأْخِيرِ إلى يَوْمِ الحَشْرِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب