الباحث القرآني
ولَمّا انْقَضى الخَبَرُ عَنْ هَذِهِ الأوْصافِ الَّتِي تَسْتَدْعِي غايَةَ الشُّكْرِ لِما فِيها مِنَ الألْطافِ، دَلَّ عَلى بَطَرِهِمْ لِلنِّعْمَةِ بِها بِأنَّهم جَعَلُوها سَبَبًا لِلتَّضَجُّرِ والمِلالِ بِقَوْلِهِ: ﴿فَقالُوا﴾ عَلى وجْهِ الدُّعاءِ: ﴿رَبَّنا﴾ أيْ أيُّها المُرَبِّي لَنا ﴿باعِدْ﴾ أيْ أعْظِمِ البُعْدَ وشَدِّدْهُ - عَلى قِراءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ وأبِي عَمْرٍو (p-٤٨٧)وهِشامٍ عَنِ ابْنِ عامِرٍ بِتَشْدِيدِ العَيْنِ وإسْكانِ الدّالِ، وهَذا بِمَعْنى قِراءَةِ الباقِينَ غَيْرِ يَعْقُوبَ ﴿باعِدْ﴾ المُقْتَضِيَةُ لِمَدِّهِ وتَطْوِيلِهِ ﴿بَيْنَ أسْفارِنا﴾ أيْ قُرانا الَّتِي نُسافِرُ فِيها، أيْ لِيَقِلَّ النّاسُ فَيَكُونُ ما يَخُصُّ كُلَّ إنْسانٍ مِن هَذِهِ الجِنانِ أضْعافَ ما يَخُصُّهُ الآنَ ونَحْمِلُ الزّادَ ونَسِيرُ عَلى النَّجائِبِ ونَتَعَلَّقُ السِّلاحَ ونَسْتَجِيدُ المَراكِبَ، وكانَ بَعْضُهم كَأنَّ عَلى الضِّدِّ مِن غَرَضِ هَؤُلاءِ فاسْتَكْثَرَ مَسافَةَ ما بَيْنَ كُلِّ قَرْيَتَيْنِ فَقالَ كَما قَرَأ يَعْقُوبُ ”رَبُّنا“ بِالرَّفْعِ عَلى أنَّهُ مُبْتَدَأٌ ”باعَدَ“ فِعْلًا ماضِيًا عَلى أنَّهُ خَبَرٌ فازْدَرى تِلْكَ النِّعْمَةَ الوارِدَةَ عَلى قانُونِ الحِكْمَةِ واشْتَهى أنْ تَكُونَ تِلْكَ القُرى مُتَواصِلَةً ﴿وظَلَمُوا﴾ حَيْثُ عَدُّوا النِّعْمَةَ نِقْمَةً، والإحْسانَ إساءَةً ﴿أنْفُسَهُمْ﴾ تارَةً بِاسْتِقْلالِ الدِّيارِ، وتارَةً بِاسْتِقْلالِ الثِّمارِ، فَسَبَّبَ ذَلِكَ تَبْدِيلَ ما هم فِيهِ بِحالٍ هو في الوَحْشَةِ بِقَدْرِ ما كانُوا فِيهِ مِنَ الأُنْسِ وهو مَعْنى ﴿فَجَعَلْناهُمْ﴾ أيْ بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ ﴿أحادِيثَ﴾ أيْ يَتَواصَفُها النّاسُ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ لِما لَها مِنَ الهَوْلِ ﴿ومَزَّقْناهُمْ﴾ أيْ تَمْزِيقًا يُناسِبُ العَظَمَةَ، فَما كانَ لَهم دَأْبٌ إلّا المُطاوَعَةُ فَمُزِّقُوا ﴿كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ أيَّ تَمْزِيقٍ كَما يُمَزَّقُ الثَّوْبُ، بِحَيْثُ صارُوا مَثَلًا مَضْرُوبًا إلى هَذا الزَّمانِ، (p-٤٨٨)يُقالُ لِمَن شُتِّتَ أمْرُهُمْ: تَفَرَّقُوا أيْدِيَ سَبا.
ولَمّا كانَ كُلٌّ مِن أمْرَيْهِمْ هَذَيْنِ في العِمارَةِ والخَرابِ أمْرًا باهِرًا دالًّا عَلى أُمُورٍ كَثِيرَةٍ، مِنها القُدْرَةُ عَلى السّاعَةِ الَّتِي هي مَقْصُودُ السُّورَةِ بِالنَّقْلَةِ مِنَ النَّعِيمِ إلى الجَحِيمِ والحَشْرِ إلّا ما لا يُرِيدُ الإنْسانُ كَما حُشِرَ أهْلُ سَبَأٍ إلى كَثِيرٍ مِن أقْطارِ البِلادِ كَما هو مَشْهُورٌ في قِصَّتِهِمْ، قالَ مُنَبِّهًا عَلى ذَلِكَ مُسْتَأْنِفًا عَلى طَرِيقِ الِاسْتِنْتاجِ، مُؤَكِّدًا تَنْبِيهًا عَلى إنْعامِ النَّظَرِ فِيهِ، لِما لَهُ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى صِفاتِ الكَمالِ: ﴿إنَّ في ذَلِكَ﴾ أيِ الأمْرِ العَظِيمِ ﴿لآياتٍ﴾ أيْ دَلالاتٍ بَيِّنَةً جِدًّا عَلى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى عَلى التَّصَرُّفِ فِيما بَيْنَ أيْدِيهِمْ وما خَلْفَهم مِنَ السَّماءِ والأرْضِ بِالإيجادِ والإعْدامِ لِلذَّواتِ والصِّفاتِ بِالخَسْفِ والمَسْخِ، فَإنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَ خارِقٍ وخارِقٍ، وعَلى أنَّ بَطَرَهم لِتِلْكَ النِّعْمَةِ حَتّى مَلُّوها ودَعَوْا بِإزالَتِها دَلِيلٌ عَلى أنَّ الإنْسانَ ما دامَ حَيًّا فَهو في نِعْمَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ شُكْرُها كائِنَةً ما كانَتْ وإنْ كانَ يَراها بَلِيَّةً، لِأنَّهُ لِما طُبِعَ عَلَيْهِ مِنَ القَلَقِ كَثِيرًا ما يَرى النِّعَمَ نِقَمًا، واللَّذَّةَ ألَمًا، ولِذَلِكَ خَتَمَ الآيَةَ بِالصَّبْرِ بِصِيغَةِ المُبالَغَةِ.
ولَمّا كانَ الصَّبْرُ حَبْسَ النَّفْسِ عَنْ أغْراضِها الفاسِدَةِ وأهْوِيَتِها المُعْمِيَةِ، وكانَتْ مُخالَفَةُ الهَوى أشَدَّ ما يَكُونُ عَلى النَّفْسِ وأشَقَّ، وكانَتِ النِّعَمُ تُبْطِرُ وتُطْغِي، وتُفْسِدُ وتُلْهِي، فَكانَ عَطْفُ النُّفُوسِ إلى الشُّكْرِ (p-٤٨٩)بَعْدَ جِماحِها بِطُغْيانِ النِّعَمِ صَعْبًا، وكانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ شارَكَتْ سَبَأً فِيما ذُكِرَ وزادَتْ عَلَيْهِمْ بِرَغَدِ العَيْشِ وسُهُولَةِ إتْيانِ الرِّزْقِ بِما حَبَّبَهم بِهِ وبَلَدَهم إلى العِبادِ بِدَعْوَةِ أبِيهِمْ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ مَعَ أمْنِ البَلَدِ وجَلالَةِ النَّسَبِ وعَظِيمِ المَنصِبِ كَما أشارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى ﴿وضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً﴾ [النحل: ١١٢] الآيَةُ، قالَ تَعالى مُحَذِّرًا لَهم مِثْلَ عُقُوبَتِهِمْ: ﴿لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ﴾ أيْ مِن جَمِيعِ بَنِي آدَمَ، مُشِيرًا بِصِيغَةِ المُبالَغَةِ إلى ذَلِكَ كُلِّهِ، وأنَّ مَن لَمْ يَكُنْ في طَبْعِهِ الصَّبْرُ والشُّكْرُ لا يَقْدِرُ عَلى ذَلِكَ، وأنَّ مَن لَيْسَ في طَبْعِهِ الصَّبْرُ فاتَهُ الشُّكْرُ.
{"ayah":"فَقَالُوا۟ رَبَّنَا بَـٰعِدۡ بَیۡنَ أَسۡفَارِنَا وَظَلَمُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ فَجَعَلۡنَـٰهُمۡ أَحَادِیثَ وَمَزَّقۡنَـٰهُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّكُلِّ صَبَّارࣲ شَكُورࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











