الباحث القرآني

ولَمّا أتَمَّ الخَبَرَ عَنِ الجِنانِ الَّتِي بِها القِوامُ نِعْمَةً ونِقْمَةً، أتْبَعَهُ مَواضِعَهُ السُّكّانَ فَقالَ: ﴿وجَعَلْنا﴾ أيْ بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ، ونَبَّهَ بِنَزْعِ الجارِّ عَلى عِمارَةِ جَمِيعِ تِلْكَ الأراضِي بِالبِناءِ والِانْتِفاعِ فَقالَ: ﴿بَيْنَهُمْ﴾ أيْ بَيْنَ قُرى أهْلِ سَبَأٍ ﴿وبَيْنَ القُرى﴾ أيْ مُدُنًا كانَتْ أوْ دُونَها ﴿الَّتِي بارَكْنا﴾ أيْ بَرَكَةً اعْتَنَيْنا بِها اعْتِناءَ مَن يُناظِرُ آخَرَ بِغايَةِ العَظَمَةِ ﴿فِيها﴾ أيْ بِأنْ جَعَلْناها مَحالَّ العِلْمِ والرِّزْقِ بِالأنْبِياءِ وأصْفِياءِ الأوْلِياءِ وهي بِلادُ الشّامِ ﴿قُرًى ظاهِرَةً﴾ أيْ مِن أرْضِ الشّامِ في أشْرافِ الأرْضِ وما صَلُبَ مِنها وعَلا، لِأنَّ البِناءَ فِيها أثْبَتُ، والمَشْيَ بِها أسْهَلُ، والِابْتِهاجَ بِرُؤْيَةِ جَمِيعِ الجِنانِ وما فِيها مِنَ النَّضْرَةِ مِنها أمْكَنُ. فَهي ظاهِرَةٌ لِلْعُيُونِ بَيْنَ تِلْكَ الجِنانِ، كَأنَّها الكَواكِبُ الحِسانُ، مَعَ تَقارُبِها بِحَيْثُ يُرى بَعْضُها مِن بَعْضٍ وكَثْرَةُ المالِ بِها والمَفاخِرُ والنَّفْعُ والمَعُونَةُ لِلْمارَّةِ؛ قالَ البَغَوِيُّ: كانَتْ أرْبَعَةَ آلافٍ وسَبْعَمِائَةِ قَرْيَةٍ مُتَّصِلَةً مِن سَبَأٍ (p-٤٨٦)إلى الشّامِ. ولَمّا كانَتْ مَعَ هَذا الوَصْفِ رُبَّما كانَ فِيها عُسْرٌ عَلى المُسافِرِ لِعَدَمِ المُوافَقَةِ في المَقِيلِ والمَبِيتِ، أزالَ هَذا بِقَوْلِهِ: ﴿وقَدَّرْنا فِيها السَّيْرَ﴾ أيْ جَعَلْناهُ عَلى مَقادِيرَ هي في غايَةِ الرِّفْقِ بِالمُسافِرِ في نُزُولِهِ مَتى أرادَ مِن لَيْلٍ أوْ نَهارٍ عَلى ما جَرَتْ بِهِ عَوائِدُ السُّفّارِ، فَهي لِذَلِكَ حَقِيقَةٌ بِأنْ يُقالَ لِأهْلِها والنّازِلِينَ بِها عَلى سَبِيلِ الِامْتِنانِ: ﴿سِيرُوا﴾ والدَّلِيلُ عَلى تَقارُبِها جِدًّا قَوْلُهُ: ﴿فِيها﴾ ودَلَّ عَلى كَثْرَتِها وطُولِ مَسافَتِها وصَلاحِيَتِها لِلسَّيْرِ أيَّ وقْتٍ أُرِيدَ، مُقَدِّمًا لِما هو أدَلُّ عَلى الأمْنِ وأعْدَلُ لِلسَّيْرِ في البِلادِ الحارَّةِ بِقَوْلِهِ: ﴿لَيالِيَ﴾ وأشارَ إلى كَثْرَةِ الظِّلالِ والرُّطُوبَةِ والِاعْتِدالِ الَّذِي يُمْكِنُ مَعَهُ السَّيْرُ في جَمِيعِ النَّهارِ بِقَوْلِهِ: ﴿وأيّامًا﴾ أيْ في أيِّ وقْتٍ شِئْتُمْ، ودَلَّ عَلى عَظِيمِ أمانِها في كُلِّ وقْتٍ بِالنِّسْبَةِ إلى كُلِّ مُلِمٍّ بِقَوْلِهِ: ﴿آمِنِينَ﴾ أيْ مِن خَوْفٍ وتَعَبٍ، أوْ ضَيْعَةٍ أوْ عَطَشٍ أوْ سَغَبٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب