الباحث القرآني

ولَمّا أخْبَرَ عَنْ هَذا المَحْقِ والتَّقْتِيرِ بَعْدَ ما كانُوا فِيهِ مِن ذَلِكَ المُلْكِ الكَبِيرِ، هَوَّلَ أمْرَهُ مُقَدِّمًا لِلْمَفْعُولِ دَلالَةً عَلى أنَّهُ مِمّا يَهْتَمُّ غايَةَ الِاهْتِمامِ بِتَعَرُّفِهِ فَقالَ: ﴿ذَلِكَ﴾ أيِ الجَزاءُ العَظِيمُ العالِي الرُّتْبَةِ في أمْرِ المَسْخِ ﴿جَزَيْناهُمْ﴾ بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ ﴿بِما كَفَرُوا﴾ أيْ غَطَّوْا (p-٤٨٤)الدَّلِيلَ الواضِحَ. ولَمّا كانَ مِنَ العادَةِ المُسْتَقِرَّةِ عِنْدَ ذَوِي الهِمَمِ العَوالِ، العَرِيقَيْنِ في مُقارَعَةِ الأبْطالِ، المُبالَغَةُ في جَزاءِ مَن أساءَ بَعْدَ الإحْسانِ، وقابَلَ الإنْعامَ بِالكُفْرانِ، لِما أثَّرَ في القُلُوبِ مِنَ الحَرِيقِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وكَرَّةً في أثَرِ كَرَّةٍ، أجْرى الأمْرَ سُبْحانَهُ عَلى هَذا العُرْفِ، فَقالَ مُشِيرًا إلى ذَلِكَ بِصِيغَةِ المُفاعَلَةِ عادًّا لِغَيْرِ جَزائِهِمْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ عَدَمًا، تَهْدِيدًا يُصَدِّعُ القُلُوبَ ويَرْدَعُ النُّفُوسَ، ويَدَعُ الأعْناقَ خاضِعَةً والرُّؤُوسَ: ﴿وهَلْ نُجازِي﴾ أيْ هَذا الجَزاءَ الَّذِي هو عَلى وجْهِ العِقابِ مِن مُجازٍ ما عَلى سَبِيلِ المُبالَغَةِ ﴿إلا الكَفُورَ﴾ أيِ المَبالِغَ في الكُفْرِ، وقِراءَةُ حَمْزَةَ والكِسائِيِّ وحَفْصٍ عَنْ عاصِمٍ ”نُجازِي“ بِالنُّونِ عَلى أُسْلُوبٍ ما قَبْلَهُ مِنَ العَظَمَةِ ونَصْبِ ”الكَفُورِ“ وقالَ الفَرّاءُ: المُؤْمِنُ يُجْزى ولا يُجازى - كَأنَّهُ يُشِيرُ إلى أنَّ عِقابَ المُسِيءِ لِأجْلِ عَمَلِهِ فَهو مُفاعَلَةٌ، وأمّا ثَوابُ المُطِيعِ فَهو فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لا لِأجْلِ عَمَلِهِ، فَإنَّ عَمَلَهُ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ، وذَلِكَ لا يُنافِي المُضاعَفَةَ، قالَ القُشَيْرِيُّ: [كَذَلِكَ] مِنَ النّاسِ مَن يَكُونُ في رَغَدٍ مِنَ الحالِ (p-٤٨٥)واتِّصالٍ مِنَ التَّوْفِيقِ وطِيبٍ مِنَ القَلْبِ ومُساعَدَةٍ مِنَ الوَقْتِ فَيَرْتَكِبُ زَلَّةً أوْ يُسِيءُ أدَبًا أوْ يَتْبَعُ شَهْوَةً، ولا يَعْرِفُ قَدْرَ ما هو فِيهِ فَيُغَيِّرُ عَلَيْهِ الحالَ، فَلا وقْتَ ولا حالَ، ولا طَرَبَ ولا وِصالَ، يُظْلِمُ عَلَيْهِ النَّهارُ، وكانَتْ لَيالِيهُ مُضِيئَةٍ بِبَدائِعِ الأنْوارِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب