الباحث القرآني
ولَمّا كانَ المَقْصُودُ كَما تَقَدَّمَ تَغْلِيظُ الحِجابِ عَلى ذَواتِ الخُدُورِ، وكانَ قَدْ ذَكَرَ في هَذِهِ السُّورَةِ خَصائِصَ وتَغْيِيرَ أحْكامٍ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ (p-٤٠٣)عَلَيْهِ وسَلَّمَ ولِأزْواجِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ ولِغَيْرِهِمْ، كانَ رُبَّما ظَنَّ أنَّ الحِجابَ تَغَيَّرَ أوْ شَيْءٌ مِنهُ بِالنِّسْبَةِ إلى الدُّخُولِ أوْ غَيْرِهِ، فاسْتَثْنى مَن عَمَّهُ النَّهْيُ السّابِقُ عَنِ الدُّخُولِ عَلى وجْهٍ يَعُمُّ جَمِيعَ النِّساءِ عَلى نَحْوِ ما تَقَدَّمَ في سُورَةِ النُّورِ فَقالَ: ﴿لا جُناحَ﴾ أيْ إثْمَ ﴿عَلَيْهِنَّ في آبائِهِنَّ﴾ دُخُولًا وخَلْوَةً مِن غَيْرِ حِجابٍ، والعَمُّ والخالُ وأبُو الزَّوْجِ بِمَصِيرِ الزَّوْجَيْنِ كالشَّيْءِ الواحِدِ بِمَنزِلَةِ الوالِدِ ﴿ولا أبْنائِهِنَّ﴾ أيْ مِنَ البَطْنِ أوِ الرَّضاعَةِ، وابْنِ الزَّوْجِ بِمَنزِلَةِ الوَلَدِ، وتَرَكَ ذِكْرَهم يَفْهَمُ أنَّ الوَرَعَ الحِجابُ عَنْهم ﴿ولا إخْوانِهِنَّ﴾ لِأنَّ عارَهُنَّ عارُهم ﴿ولا أبْناءِ إخْوانِهِنَّ﴾ فَإنَّهُنَّ بِمَنزِلَةِ آبائِهِمْ ﴿ولا أبْناءِ أخَواتِهِنَّ﴾ فَإنَّهُنَّ بِمَنزِلَةِ أُمَّهاتِهِمْ ﴿ولا نِسائِهِنَّ﴾ أيِ المُسْلِماتِ القُرْبى مِنهُنَّ والبُعْدى بِمَنزِلَةٍ واحِدَةٍ، وأمّا الكافِراتُ فَهُنَّ بِمَنزِلَةِ الأجانِبِ مِنَ الرِّجالِ ﴿ولا ما مَلَكَتْ أيْمانُهُنَّ﴾ لِأنَّهم لِما لَهُنَّ عَلَيْهِمْ مِنَ السُّلْطانِ تَبْعُدُ مِنهُمُ الرِّيبَةُ هَيْبَةً لَهُنَّ مَعَ مَشَقَّةِ الِاحْتِجابِ عَنْهم.
ولَمّا كانَتِ الرِّيبَةُ لَيْسَتْ مَقْطُوعًا بِنَفْيِها، وكانَتْ مِن جِهَةِ النِّساءِ أكْثَرَ، لِأنَّهُ لا يَكادُ رَجُلٌ يَتَعَرَّضُ إلّا لِمَن ظَنَّ بِها الإجابَةَ لِما يَرى مِن (p-٤٠٤)مَخايِلِها أوْ مَخايِلِ أشْكالِها، أقْبَلَ عَلَيْهِنَّ بِالخِطابِ لِأنَّهُ أوْقَعُ في النَّفْسِ، فَقالَ آمِرًا عاطِفًا عَلى ما تَقْدِيرُهُ: فَأظْهَرْنَ عَلى مَن شِئْتُنَّ مِن هَؤُلاءِ: ﴿واتَّقِينَ اللَّهَ﴾ أيِ الَّذِي لا أعْظَمَ مِنهُ، فَلا تَقْرَبْنَ شَيْئًا مِمّا يَكْرَهُهُ، وطَوى ما عَطَفَ عَلَيْهِ الأمْرَ بِالتَّقْوى بَعْدَ أنْ ساقَ نَفْيَ الجَناحِ في أُسْلُوبِ الغَيْبَةِ، وأبْرَزَ الأمْرَ بِها وجَعَلَهُ في أُسْلُوبِ الخِطابِ إيذانًا بِأنَّ الوَرَعَ تَرَكَ الظُّهُورَ عَلى أحَدٍ غَيْرِ مَن يَمْلِكُ التَّمَتُّعَ، فَإنْ دَعَتْ حاجَةٌ كانَ مَعَ الظُّهُورِ حِجابٌ كَثِيفٌ مِنَ الِاحْتِشامِ والأدَبِ التّامِّ.
ولَمّا كانَ الخَوْفُ لا يَعْظُمُ إلّا مِمَّنْ كانَ حاضِرًا مُطْلَقًا، قالَ مُعَلِّلًا مُؤَكِّدًا تَنْبِيهًا عَلى أنَّ فِعْلَ مَن يَتَهاوَنُ في شَيْءٍ مِن أوامِرِهِ فِعْلُ مَن لا يَتَّقِي، ومَن لا يَتَّقِي كَمَن يَظُنُّ أنَّهُ سُبْحانَهُ غَيْرُ مُطَّلِعٍ عَلَيْهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾ أيِ العَظِيمَ الشَّأْنِ ﴿كانَ﴾ أزَلًا وأبَدًا ﴿عَلى كُلِّ شَيْءٍ﴾ مِن أفْعالِكُنَّ وغَيْرِها، ولِمَزِيدِ الِاحْتِياطِ والوَرَعِ في ذَلِكَ [عَبَّرَ] بِقَوْلِهِ: ﴿شَهِيدًا﴾ أيْ لا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ وإنْ دَقَّ، فَهو مُطَّلِعٌ عَلَيْكُنَّ حالَ الخَلْوَةِ مِمَّنْ ذُكِرَ، كَما هو مُطَّلِعٌ عَلى [غَيْرِ] ذَلِكَ فَلْيَحْذَّرْهُ كُلُّ أحَدٍ [فِي] حالِ الخَلْوَةِ كَما يَحْذُرُهُ في حالِ الجَلْوَةِ، فَيا لَها مِن عَظَمَةٍ باهِرَةٍ، وسَطْوَةٍ ظاهِرَةٍ قاهِرَةٍ، يَحِقُّ لِكُلِّ أحَدٍ أنْ يَبْكِيَ مِنها الدِّماءَ فَضْلًا عَنِ الدُّمُوعِ، وأنْ تَمْنَعَهُ مُرِيحَ القَرارِ ولَذِيذَ الهُجُوعِ، رَوى البُخارِيُّ (p-٤٠٥)عَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالَتْ: «”أسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أفْلَحُ أخُو أبِي القُعَيْسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ ما أنْزَلَ الحِجابَ، فَقُلْتُ: لا آذَنُ لَهُ حَتّى اسْتَأْذِنَ فِيهِ النَّبِيَّ ﷺ فَإنَّ أخاهُ [أبا] القُعَيْسِ لَيْسَ هو أرْضَعَنِي [و] لَكِنْ أرْضَعَتْنِي امْرَأةُ أبِي القُعَيْسِ، [فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ! إنَّ أفْلَحَ أخا أبِي القُعَيْسِ] اسْتَأْذَنَ فَأبَيْتُ أنْ آذَنَ لَهُ حَتّى أسْتَأْذِنَكَ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وما يَمْنَعُكِ؟ قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ! إنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هو أرْضَعَنِي، ولَكِنْ أرْضَعَتْنِي امْرَأةُ أبِي القُعَيْسِ، فَقالَ: ائْذَنِي لَهُ فَإنَّهُ عَمُّكِ تَرِبَتْ يَمِينُكِ،» قالَ عُرْوَةُ: فَلِذَلِكَ كانَتْ عائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها تَقُولُ: حَرِّمُوا مِنَ الرَّضاعَةِ ما تُحَرِّمُوا مِنَ النَّسَبِ“ .
{"ayah":"لَّا جُنَاحَ عَلَیۡهِنَّ فِیۤ ءَابَاۤىِٕهِنَّ وَلَاۤ أَبۡنَاۤىِٕهِنَّ وَلَاۤ إِخۡوَ ٰنِهِنَّ وَلَاۤ أَبۡنَاۤءِ إِخۡوَ ٰنِهِنَّ وَلَاۤ أَبۡنَاۤءِ أَخَوَ ٰتِهِنَّ وَلَا نِسَاۤىِٕهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُهُنَّۗ وَٱتَّقِینَ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ شَهِیدًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق