الباحث القرآني

ولَمّا قَدَّمَ دَرْءَ المَفاسِدِ الَّذِي هو مِن بابِ التَّخَلِّي، أتْبَعَهُ جَلْبَ المَصالِحِ الَّذِي هو [مِن] طِرازِ التَّحَلِّي فَقالَ: ﴿ومَن يَقْنُتْ﴾ أيْ يُخْلِصِ الطّاعَةَ، وتَقَدَّمَ تَوْجِيهُ قِراءَةِ يَعْقُوبَ بِالفَوْقانِيَّةِ عَلى ما حَكاهُ البَغَوِيُّ والأهْوازِيُّ في الشَّواذِّ عَنِ ابْنِ مُسْلِمٍ ﴿مِنكُنَّ لِلَّهِ﴾ الَّذِي هو أهْلٌ لِئَلّا يَلْتَفِتَ إلى غَيْرِهِ لِأنَّهُ [لا] أعْظَمُ مِنهُ بِإدامَةِ الطّاعَةِ فَلا يَخْرُجُ عَنْ مُراقِبَتِهِ أصْلًا ﴿ورَسُولِهِ﴾ فَلا تُغاضِبُهُ ولا تَطْلُبُ مِنهُ شَيْئًا، (p-٣٤٢)ولا تَخْتارُ عَيْشًا غَيْرَ عَيْشِهِ، فَإنَّهُ يَجِبُ عَلى كُلِّ أحَدٍ تَصْفِيَةُ فِكْرِهِ، وتَهْدِئَةُ بالِهِ وسِرِّهِ، لِيَتَمَكَّنَ غايَةَ التَّمَكُّنِ مِن إنْقاذِ أوامِرِنا والقِيامِ بِما أرْسَلْناهُ بِسَبَبِهِ مِن رَحْمَةِ العِبادِ، بِإنْقاذِهِمْ مِمّا هم فِيهِ مِنَ الأنْكادِ. ولَمّا كانَ ذَلِكَ قَدْ يُفْهِمُ الِاقْتِصارَ عَلى [عَمَلِ] القَلْبِ قالَ: ﴿وتَعْمَلْ﴾ قَرَأها حَمْزَةُ والكِسائِيُّ بِالتَّحْتانِيَّةِ رَدًّا عَلى لَفْظِ ”مَن“ حَثًّا لَهُنَّ عَلى مَنازِلِ الرِّجالِ، وقِراءَةُ الجَماعَةِ بِالفَوْقانِيَّةِ عَلى مَعْناها عَلى الأصْلِ مُشِيرَةً إلى الرِّفْقِ بِهِنَّ في عَمَلِ الجَوارِحِ والرِّضى بِالمُسْتَطاعِ كَما قالَ عَلَيْهِ أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامُ: «إذا أمَرَتْكم بِأمْرٍ فَأْتُوا مِنهُ ما اسْتَطَعْتُمْ» وأمّا عَمَلُ القَلْبِ فَلا رِضى فِيهِ بِدُونِ الغايَةِ، فَلِذا كانَ ”يَقْنُتْ“ مُذَكَّرًا لا عَلى شُذُوذٍ ﴿صالِحًا﴾ أيْ في جَمِيعِ ما أمَرَ بِهِ سُبْحانَهُ أوْ نَهى عَنْهُ ﴿نُؤْتِها﴾ أيْ بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ عَلى قِراءَةِ الجَماعَةِ بِالنُّونِ، وقِراءَةِ حَمْزَةَ والكِسائِيِّ بِالتَّحْتانِيَّةِ عَلى أنَّ الضَّمِيرَ لِلَّهِ ﴿أجْرَها مَرَّتَيْنِ﴾ أيْ بِالنِّسْبَةِ إلى أجْرِ غَيْرِها مِن نِساءِ بَقِيَّةِ النّاسِ ﴿وأعْتَدْنا﴾ أيْ هَيَّأْنا بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ وأحْضَرْنا ﴿لَها﴾ بِسَبَبِ قَناعَتِها مَعَ النَّبِيِّ ﷺ المُرِيدِ لِلتَّخَلِّي مِنَ الدُّنْيا الَّتِي يُبْغِضُها اللَّهُ مَعَ ما في ذَلِكَ (p-٣٤٣)مِن تَوْفِيرِ الحَظِّ في الآخِرَةِ ﴿رِزْقًا كَرِيمًا﴾ أيْ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، فَلا شَيْءَ أكْرَمُ مِنهُ لِأنَّ ما في الدُّنْيا مِنهُ يُوَفَّقُ لِصَرْفِهِ عَلى وجْهٍ يَكُونُ فِيهِ أعْظَمُ الثَّوابِ، ولا يَخْشى مِن أجْلِهِ نَوْعَ عِتابٍ فَضْلًا عَنْ عِقابٍ، وما في الآخِرَةِ مِنهُ لا يُوصَفُ ولا يُحَدُّ، ولا نَكَدَ فِيهِ بِوَجْهٍ أصْلًا ولا كَدَّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب