الباحث القرآني

ولَمّا تَقَرَّرَ بِهَذِهِ الوَقائِعِ - الَّتِي نَصَرَ فِيها سُبْحانَهُ وحْدَهُ بِأسْبابٍ باطِنَةٍ سَبَّبَها، وأُمُورٍ خَفِيَّةٍ رَتَّبَها، تَعْجِزُ عَنْها الجُيُوشُ المُتَخَيِّرَةُ المُسْتَكْثِرَةُ، والمُلُوكُ المُتَجَبِّرَةُ المُسْتَكْبِرَةُ - ما قَدَّمَ مِن أنَّهُ كافٍ مَن تَوَكَّلَ عَلَيْهِ، وأقْبَلَ بِكُلِّيَّتِهِ إلَيْهِ، وخَتَمَ بِصِفَةِ القُدْرَةِ العامَّةِ الدّائِمَةِ، تَحَرَّرَ أنَّهُ قادِرٌ عَلى (p-٣٣٦)كُلِّ ما يُرِيدُهُ، وأنَّهُ لَوْ شاءَ أجْرى مَعَ ولِيِّهِ كُنُوزَ الأرْضِ، وأنَّهُ لا يَجُوزُ لِأحَدٍ أنْ يُراعِيَ غَيْرَهُ ولا [أنْ] يَرْمُقَ بِوَجْهِ ما سِواهُ، وعُلِمَ أنَّ مَن أقْبَلَ إلى هَذا الدِّينِ فَإنَّما نَفَعَ نَفْسَهُ والفَضْلَ لِصاحِبِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ، ومَن أعْرَضَ [عَنْهُ] فَإنَّما وبالُ إعْراضِهِ عَلى نَفْسِهِ، ولا ضَرَرَ عَلى الدِّينِ بِإعْراضِ هَذا المُعْرِضِ، كَما أنَّهُ لا نَفْعَ لَهُ بِإقْبالِ ذَلِكَ المُقْبِلِ، وكانَ قَدْ قَضى سُبْحانَهُ أنَّ مَنِ انْقَطَعَ إلَيْهِ حَماهُ مِنَ الدُّنْيا إكْرامًا لَهُ ورَفْعًا لِمَنزِلَتِهِ عَنْ خَسِيسِها إلى نَفِيسِ ما عِنْدَهُ، لِأنَّ كُلَّ أمْرِها إلى زَوالٍ وتَلاشٍ واضْمِحْلالٍ، ولا يُعَلِّقُ هِمَّتَهُ بِذَلِكَ إلّا قاصِرٌ ضالٌّ، فَأخَذَ سُبْحانَهُ يَأْمُرُ أحَبَّ الخَلْقِ إلَيْهِ، وأعَزَّهم مَنزِلَةً لَدَيْهِ، المَعْلُومُ امْتِثالًا لِلْأمْرِ بِالتَّوَكُّلِ والإعْراضِ عَنْ كُلِّ ما سِواهُ [سُبْحانَهُ] وأنَّهُ لا يَخْتارُ مِنَ الدُّنْيا غَيْرَ الكَفافِ، والقَناعَةِ والعَفافِ، بِتَخْيِيرٍ ألْصَقَ النّاسَ بِهِ تَأْدِيبًا لِكافَّةِ النّاسِ، فَقالَ عَلى طَرِيقِ الِاسْتِنْتاجِ مِمّا تَقَدَّمَ: ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ﴾ ذاكِرًا صِفَةَ رِفْعَتِهِ واتِّصالِهِ بِهِ سُبْحانَهُ والإعْلامِ بِأسْرارِ القُلُوبِ، وخَفايا الغُيُوبِ، المُقْتَضِيَةِ لِأنْ يَفْرُغَ فِكْرُهُ لِما يَتَلَقّاهُ مِنَ المَعارِفِ، ولا يُعَلِّقُ عَنْ شَيْءٍ مِن ذَلِكَ بِشَيْءٍ مِن أذًى: ﴿قُلْ لأزْواجِكَ﴾ أيْ نِسائِكَ: ﴿إنْ كُنْتُنَّ﴾ أيْ كَوْنًا راسِخًا ﴿تُرِدْنَ﴾ أيِ اخْتِيارًا عَلى ﴿الحَياةَ﴾ (p-٣٣٧)ووَصَفَها بِما يُزَهِّدُ فِيها ذَوِي الهِمَمِ ويُذَكِّرُ مَن لَهُ عَقْلٌ بِالآخِرَةِ فَقالَ: ﴿الدُّنْيا﴾ أيْ ما فِيها مِنَ السَّعَةِ والرَّفاهِيَةِ والنِّعْمَةِ ﴿وزِينَتَها﴾ أيِ المُنافِيَةِ لِما أمَرَنِي [بِهِ] رَبِّي مِنَ الإعْراضِ عَنْهُ واحْتِقارِهِ مِن أمْرِها لِأنَّها أبْغَضُ خَلْقِهِ إلَيْهِ، لِأنَّها قاطِعَةٌ عَنْهُ ﴿فَتَعالَيْنَ﴾ أصْلُهُ أنَّ الأمْرَ يَكُونُ أعْلى مِنَ المَأْمُورِ، فَيَدْعُوهُ أنْ يَرْفَعَ نَفْسَهُ إلَيْهِ ثُمَّ كَثُرَ حَتّى صارَ مَعْناهُ: أقْبَلَ، وهو هُنا كِنايَةٌ عَنِ الإخْبارِ والإرادَةِ بِعَلاقَةِ أنَّ المُخْبَرَ يَدْنُو إلى مَن يُخْبِرُهُ ﴿أُمَتِّعْكُنَّ﴾ أيْ بِما أحْسَنَ [بِهِ] إلَيْكُنَّ ﴿وأُسَرِّحْكُنَّ﴾ أيْ مِن حِبالَةِ عِصْمَتِي ﴿سَراحًا جَمِيلا﴾ أيْ لَيْسَ فِيهِ مُضارَّةٌ، ولا نَوْعُ حِقْدٍ ولا مُقاهَرَةٍ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب