الباحث القرآني

ولَمّا أتَمَّ أمْرَ الأحْزابِ، أتْبَعَهُ حالَ الَّذِينَ ألَّبُوهُمْ، وكانُوا سَبَبًا (p-٣٣٣)فِي إتْيانِهِمْ كَحُيَيِّ بْنِ أخْطَبَ والَّذِينَ مالَأُوهم عَلى ذَلِكَ، ونَقَضُوا ما كانَ لَهم مِن عَهْدٍ، فَقالَ: ﴿وأنْـزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ﴾ أيْ عاوَنُوا الأحْزابَ، ثُمَّ بَيَّنَهم بِقَوْلِهِ مُبَغِّضًا: ﴿مِن أهْلِ الكِتابِ﴾ وهم بَنُو قُرَيْظَةَ ومَن دَخَلَ مَعَهم في حِصْنِهِمْ مَن بَنِي النَّضِيرِ كَحُيَيٍّ، وكانَ ذَلِكَ بَعْدَ إخْراجٍ بَنِي قَيْنُقاعَ وبَنِي النَّضِيرِ ﴿مِن صَياصِيهِمْ﴾ أيْ حُصُونِهِمُ العالِيَةِ، جَمْعُ صِيصِيَةٍ وهي كُلُّ ما يَتَمَنَّعُ بِهِ مِن قُرُونِ البَقْرِ وغَيْرِها مِمّا شُبِّهَ بِها مِنَ الحُصُونِ. ولَمّا كانَ الإنْزالُ مِن مَحَلِّ التَّمَنُّعِ عَجَبًا، وكانَ عَلى وُجُوهٍ شَتّى، فَلَمْ يَكُنْ صَرِيحًا في الإذْلالِ، فَتَشَوَّفَتِ النَّفْسُ إلى بَيانِ حالِهِ، بَيَّنَ أنَّهُ الذُّلُّ فَقالَ عاطِفًا بِالواوِ لِيَصْلُحَ لِما قَبْلُ ولِما بَعْدُ: ﴿وقَذَفَ في قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾ أيْ بَعْدَ الإنْزالِ كَما كانَ قَذْفُهُ قَبْلَ الإنْزالِ، فَلَوْ قَدَّمَ القَذْفَ عَلى الإنْزالِ لَما أفادَ هَذِهِ الفَوائِدَ، ولا اشْتَدَّتْ مُلاءَمَةُ ما بَعْدَهُ لِلْإنْزالِ. ولَمّا ذَكَرَ ما أذَلَّهم بِهِ، ذَكَرَ ما تَأثَّرَ عَنْهُ مُقْسِّمًا لَهُ فَقالَ: ﴿فَرِيقًا﴾ فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الفِرْقَةِ ونَصَبَهُ لِيَدُلَّ بادِئَ بَدْءٍ عَلى أنَّهُ طَوْعٌ لِأيْدِي الفاعِلِينَ: ﴿تَقْتُلُونَ﴾ وهُمُ الرِّجالِ، وكانَ نَحْوُ سَبْعِمِائَةٍ. ولَمّا بَدَأ بِما يَدُلُّ عَلى التَّقْسِيمِ مِمّا مِنهُ الفِرْقَةُ، وقَدْ أعْظَمَ الأثَرَيْنِ النّاشِئَيْنِ عَنِ الرُّعْبِ، أوْلاهُ الأثَرَ الآخَرَ لِيَصِيرَ الأثَرانِ المَحْبُوبانِ مُحْتَوِشَيْنِ بِما يَدُلُّ عَلى الفِرْقَةِ (p-٣٣٤)فَقالَ: ﴿وتَأْسِرُونَ فَرِيقًا﴾ وهُمُ الذَّرارِيُّ والنِّساءُ، ولَعَلَّهُ أخَّرَ الفَرِيقَ هُنا لِيُفِيدَ التَّخْيِيرَ في أمْرِهِمْ، وقَدَّمَ في الرِّجالِ لِتَحَتُّمِ القَتْلِ فِيهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب