الباحث القرآني

ولَمّا أتَمَّ سُبْحانَهُ ما أخْبَرَ بِهِ رَسُولَهُ ﷺ كَما دَلَّ عَلَيْهِ التَّعْبِيرُ بِالنَّبِيِّ، اسْتَأْنَفَ أمْرَهُ بِجَوابِهِمْ جَوابًا لِمَن كَأنَّهُ قالَ: ماذا يُقالُ لَهُمْ؟ وإجْراءً لِلْنَصِيحَةِ عَلى لِسانِهِ لِما هو مَجْبُولٌ عَلَيْهِ مِنَ الشَّفَقَةِ،﴿قُلْ﴾ أيْ لَهُمْ، وأكَّدَ لِظَنِّهِمْ نَفْعَ الفِرارِ: ﴿لَنْ يَنْفَعَكُمُ﴾ أيْ في (p-٣١١)تَأْخِيرِ آجالِكم في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ ﴿الفِرارُ﴾ أيِ الَّذِي ما كانَ اسْتِئْذانُكم إلّا بِسَبَبِهِ ﴿إنْ فَرَرْتُمْ مِنَ المَوْتِ﴾ أيْ بِغَيْرِ عَدُوٍّ ﴿أوِ القَتْلِ﴾ لِأنَّ الأجَلَ إنْ كانَ [قَدْ] حَضَرَ، لَمْ يَتَأخَّرْ بِالفِرارِ وإلّا لَمْ يُقْصِرْهُ الثَّباتُ كَما كانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: إذا دَهَمَ الأمْرُ، وتَوَقَّدَ الجَمْرُ، واشْتَدَّ مِنَ الحَرْبِ الحَرُّ، أيُّ يَوْمَيَّ مِنَ المَوْتِ أفِرُّ؟ يَوْمَ لا يُقْدَرُ أوْ يَوْمَ قُدِرْ، وذَلِكَ أنَّ أجَلَ اللَّهِ الَّذِي أجَّلَهُ مُحِيطٌ بِالإنْسانِ لا يَقْدِرُ أنْ يَتَعَدّاهُ أصْلًا ﴿وإذًا﴾ أيْ وإذْ فَرَرْتُمْ. ولَمّا كانُوا لا يَقْصِدُونَ بِالعَيْشِ إلّا التَّمَتُّعَ، بَيَّنَ ذَلِكَ بِالبِناءِ لِلْمَجْهُولِ فَقالَ: ﴿لا تُمَتَّعُونَ﴾ أيْ تَمَتُّعًا مُبالَغًا فِيهِ كَما تُرِيدُونَ بِما بَقِيَ مِن أعْمارِكم إنْ كانَ بَقِيَ مِنها شَيْءٌ ﴿إلا قَلِيلا﴾ بَلْ يَتَمَكَنُّ العَدُوُّ مِنكم بِأدْبارِكُمْ، ومِن أمْوالِكم وأحْسابِكم ودِيارِكُمْ، فَيُفْسِدُ مَهْما قَدَرَ عَلَيْهِ مِن ذَلِكَ فَلا تَقْدِرُونَ عَلى تَدارُكِهِ إلّا بَعْدَ زَمانٍ طَوِيلٍ وتَعَبٍ كَبِيرٍ، بِخِلافِ ما إذا ثَبَتُّمْ وفاءً بِالعَهْدِ وحِفْظًا لِلثَّناءِ فَلاقَيْتُمُ الأقْرانَ، وقارَعْتُمُ الفُرْسانَ، اعْتِمادًا عَلى رَبِّكم وطاعَةً لِنَبِيِّكُمْ، فَإنْ [كانَ] الأجَلُ قَدْ أتى لَمْ يَنْقُصْكم ذَلِكَ شَيْئًا، ومُتُّمْ أعِزَّةً كِرامًا، وإلّا فُزْتُمْ بِالنَّصْرِ، وحُزْتُمُ الأجْرَ، وعِشْتُمْ بِأتَمِّ نِعْمَةٍ إلى تَمامِ العُمْرِ، فالثَّباتُ أبْقى لِلْمُهَجِ، وأحْفَظُ لِلْعَيْشِ البَهِجِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب