الباحث القرآني

ولَمّا ذَكَرَ ما هو الأصْلُ في نِفاقِهِمْ وهو التَّكْذِيبُ، أتْبَعَهُ ما تَفَرَّعَ عَلَيْهِ، ولَمّا كانَ تَخْذِيلُهم بِالتَّرْجِيعِ مَرَّةً، عَبَّرَ [عَنْهُ] بِالماضِي فَقالَ: ﴿وإذْ قالَتْ﴾ أنَّثَ الفِعْلَ إشارَةً إلى رَخاوَتِهِمْ وتَأنُّثِهِمْ في الأقْوالِ والأفْعالِ ﴿طائِفَةٌ مِنهُمْ﴾ أيْ قَوْمٌ كَثِيرٌ مِن مَوْتى القُلُوبِ ومَرْضاها يَطُوفُ بَعْضُهم بِبَعْضٍ: ﴿يا أهْلَ يَثْرِبَ﴾ عَدَلُوا عَنِ الِاسْمِ - الَّذِي وسَمَها بِهِ النَّبِيُّ ﷺ مِنَ المَدِينَةِ وطَيْبَةٍ مَعَ حُسْنِهِ - إلى الِاسْمِ الَّذِي كانَتْ تُدْعى بِهِ قَدِيمًا مَعَ احْتِمالِ قُبْحِهِ بِاشْتِقاقِهِ مِنَ الثَّرْبِ الَّذِي هو اللَّوْمُ والتَّعْنِيفُ إظْهارًا لِلْعُدُولِ عَنِ الإسْلامِ قالَ في الجَمْعِ بَيْنَ العُبابِ والمُحْكَمِ: ثَرَبَ عَلَيْهِ ثَرْبًا وأثْرَبَ، بِمَعْنى ثَرَّبَ تَثْرِيبًا - إذا لامَهُ وعَيَّرَهُ بِذَنْبِهِ وذَكَّرَهُ بِهِ. وأكَّدُوا بِنَفْيِ الجِنْسِ لِكَثْرَةِ مُخالَفَتِهِمْ في ذَلِكَ فَقالُوا: ﴿لا مُقامَ لَكُمْ﴾ أيْ قِيامًا أوْ مَوْضِعَ قِيامٍ تَقُومُونَ بِهِ - عَلى قِراءَةِ الجَماعَةِ بِالفَتْحِ، وعَلى قِراءَةِ حَفْصٍ بِالضَّمِّ المَعْنى: لا إقامَةَ أوْ مَوْضِعَ إقامَةٍ في مَكانِ القِتالِ ومُقارَعَةِ الأبْطالِ ﴿فارْجِعُوا﴾ إلى مَنازِلِكم هِرابًا، وكُونُوا (p-٣٠٧)مَعَ نِسائِكم [أذْنابًا،] أوْ إلى دِينِكُمُ الأوَّلِ عَلى وجْهِ المُصارَحَةِ لِتَكُونَ لَكم عِنْدَ هَذِهِ الجُنُودِ [يَدٌ]. ولَمّا ذَكَرَ هَؤُلاءِ الَّذِينَ هَتَكُوا السِّتْرَ، وبَيَّنُوا ما هم فِيهِ مِن سُفُولِ الأمْرِ، أتْبَعَهم آخَرِينَ تَسَتَّرُوا بَعْضَ التَّسَتُّرِ تَمَسُّكًا بِأذْيالِ النِّفاقِ، خَوْفًا مِن أهْوالِ الشِّقاقِ، فَقالَ: ﴿ويَسْتَأْذِنُ﴾ أيْ يُجَدِّدُ كُلَّ وقْتٍ طَلَبَ الإذْنِ لِأجْلِ الرُّجُوعِ إلى البُيُوتِ والكَوْنِ مَعَ النِّساءِ ﴿فَرِيقٌ مِنهُمُ﴾ أيْ طائِفَةٌ شَأْنُها الفُرْقَةُ ﴿النَّبِيَّ﴾ وقَدْ رَأوْا ما حَواهُ مِن عُلُوِّ المِقْدارِ بِما لَهُ مِن حُسْنِ الخُلُقِ، والخَلْقِ، وما لَدَيْهِ مِن جَلالَةِ الشَّمائِلِ وكَرِيمِ الخَصائِلِ، ولَمْ يَخْشَوْا مِن إنْبائِنا لَهُ بِالأخْبارِ، وإظْهارِنا لَهُ الخَبْءَ، مِن مَكْنُونِ الضَّمائِرِ وخَفِيِّ الأسْرارِ، حالَ كَوْنِهِمْ ﴿يَقُولُونَ﴾ [أيْ] في كُلِّ قَلِيلٍ، مُؤَكِّدِينَ لِعِلْمِهِمْ بِكَذِبِهِمْ وتَكْذِيبِ المُؤْمِنِينَ لَهم قَوْلَهُمْ: ﴿إنَّ بُيُوتَنا﴾ أتَوْا بِجَمْعِ الكَثْرَةِ إشارَةً إلى كَثْرَةِ أصْحابِهِمُ المُنافِقِينَ ﴿عَوْرَةٌ﴾ أيْ [بِها] خَلَلٌ كَثِيرٌ يُمْكِنُ مَن أرادَ مِنَ الأحْزابِ أنْ يَدْخُلَها مِنهُ، فَإذا ذَهَبْنا إلَيْها حَفِظْناها مِنهم وكَفَيْنا مَن يَأْتِي إلَيْنا مِن مُفْسِدِيهِمْ حِمايَةً لِلدِّينِ، وذَبًّا عَنِ الأهْلِينَ. ولَمّا قالُوا ذَلِكَ مُؤَكِّدِينَ لَهُ، رَدَّهُ اللَّهُ تَعالى مُؤَكِّدًا لِرَدِّهِ مُبَيِّنًا لِما (p-٣٠٨)أرادُوا فَقالَ: ﴿وما﴾ أيْ والحالُ أنَّها ما ﴿هِيَ﴾ [فِي ذَلِكَ الوَقْتِ الَّذِي قالُوا هَذا فِيهِ، وأكَّدَ النَّفْيَ فَقالَ:] ﴿بِعَوْرَةٍ﴾ ولا يُرِيدُونَ [بِذَهابِهِمْ حِمايَتَها ﴿إنَّ﴾ أيْ ما ﴿يُرِيدُونَ﴾ ] بِاسْتِئْذانِهِمْ ﴿إلا فِرارًا﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب