الباحث القرآني

ولَمّا عُلِمَ بِهَذا أنَّ الحالَ المُزَلْزِلَ لَهم كانَ في غايَةِ الهَوْلِ، أشارَ إلى أنَّهم لَمْ يُزَلْزِلْهم بِأنْ حَكى أقْوالَ المُزَلْزِلِينَ، ولَمْ يَذْكُرْ أقْوالَهم وسَيَذْكُرُها بَعْدُ لِيَكُونَ الثَّناءُ عَلَيْهِمْ بِالثَّباتِ مَعَ عَظِيمِ الزِّلْزالِ مَذْكُورًا مَرَّتَيْنِ إشارَةً وعِبارَةً، فَقالَ: ﴿وإذْ﴾ وأشارَ إلى تَكْرِيرِهِمْ لِدَلِيلِ النِّفاقِ بِالمُضارِعِ فَقالَ: ﴿يَقُولُ﴾ أيْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرى ﴿المُنافِقُونَ﴾ أيِ الرّاسِخُونَ في النِّفاقِ، لِأنَّ قُلُوبَهم مَرِيضَةٌ مَلْأى مَرْضًا ﴿والَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ أيْ مِن أمْراضِ الِاعْتِقادِ بِحَيْثُ أضْعَّفَها في الِاعْتِقادِ والثَّباتِ في مَواطِنِ اللِّقاءِ وفي كُلِّ مَعْنًى جَلِيلٍ، فَهم بِحَيْثُ لَمْ يَصِلُوا إلى الجَزْمِ بِالنِّفاقِ ولا الإخْلاصِ في الإيمانِ، بَلْ هم عَلى حَرْفٍ فَعِنْدَهم نَوْعُ النِّفاقِ، فالآيَةُ مِنَ الِاحْتِباكِ: ذِكْرُ النِّفاقِ أوَّلًا دالٌّ عَلَيْهِ ثانِيًا، وذِكْرُ المَرَضَ ثانِيًا دَلِيلٌ عَلَيْهِ أوَّلًا، [وهَذا الَّذِي قُلْتُهُ في القُلُوبِ مُوافِقٌ لِما ذَكَرَهُ الإمامُ السَّهَرْوَرْدِيُّ في البابِ السّادِسِ والخَمْسِينَ مِن عَوارِفِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «القُلُوبُ أرْبَعَةٌ: قَلْبٌ أجْرَدُ فِيهِ سِراجٌ يَزْهُو، فَذَلِكَ قَلْبُ المُؤْمِنِ، وقَلْبٌ أسْوَدُ مَنكُوسٌ، فَذَلِكَ قَلْبُ الكافِرِ، وقَلْبٌ مَرْبُوطٌ عَلى غِلافٍ، فَذَلِكَ قَلْبُ المُنافِقِ، وقَلْبٌ مُصْفَحٌ فِيهِ إيمانٌ ونِفاقٌ، فَمَثَلُ الإيمانِ فِيهِ كَمَثَلِ البَقْلَةِ يَمُدُّها الماءُ (p-٣٠٥)الطَّيِّبُ، ومَثَلُ النِّفاقِ فِيهِ كَمَثَلِ القُرْحَةِ يَمُدُّها القَيْحُ والصَّدِيدُ، فَأيُّ المَدَّتَيْنِ غَلَبَتْ عَلَيْهِ حُكِمَ لَهُ بِها» ورَوى هَذا الحَدِيثَ الغَزالِيُّ في أواخِرِ كِتابِ قَواعِدِ العَقائِدِ مِنَ الإحْياءِ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وقالَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدَّيْنِ العِراقِيُّ: أخْرَجَهُ أحْمَدُ.] ولَمّا كانَ المُكَذِّبُ لَهم بِتَصْدِيقِ وعْدِ اللَّهِ - ولِلَّهِ الحَمْدُ - كَثِيرًا، أكَّدُوا قَوْلَهم وذَكَرُوا الِاسْمَ [الأعْظَمَ] وأضافُوا الرَّسُولَ إلَيْهِ فَقالُوا: ﴿ما وعَدَنا اللَّهُ﴾ الَّذِي ذَكَرَ [لَنا] أنَّهُ مُحِيطُ الجَلالِ والجَمالِ ﴿ورَسُولُهُ﴾ أيِ الَّذِي قالَ مَن قالَ مِن قَوْمِنا: إنَّهُ رَسُولٌ، اسْتِهْزاءً مِنهُمْ، وإقامَةً لِلدَّلِيلِ في زَعْمِهِمْ لِهَذا البَلاءِ عَلى بُطْلانِ تِلْكَ الدَّعْوى ﴿إلا غُرُورًا﴾ أيْ باطِلًا اسْتَدْرَجَنا بِهِ إلى الِانْسِلاخِ عَمّا كُنّا عَلَيْهِ مِن دِينِ آبائِنا وإلى الثَّباتِ عَلى ما صِرْنا إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ الِانْسِلاخِ بِما وعَدَنا بِهِ مِن ظُهُورِ [هَذا الدِّينِ عَلى] الدِّينِ كُلِّهِ، والتَّمْكِينِ في البِلادِ حَتّى في حَفْرِ الخَنْدَقِ، فَإنَّهُ قالَ: إنَّهُ أبْصَرَ بِما بَرَقَ لَهُ في ضَرْبِهِ لِصَخْرَةِ سَلْمانَ مَدِينَةَ صَنْعاءَ مِنَ اليَمَنِ وقُصُورَ كِسْرى بِالحَيْرَةِ مِن أرْضِ فارِسَ، وقُصُورَ الشّامِ مِن أرْضِ الرُّومِ، وإنَّ تابِعَيْهِ سَيَظْهَرُونَ عَلى ذَلِكَ كُلِّهِ وقَدْ صَدَقَ اللَّهُ وعْدَهُ في جَمِيعِ ذَلِكَ حَتّى في لُبْسِ سُراقَةَ بْنِ مالِكِ ابْنِ (p-٣٠٦)جَعْشَمٍ سِوارى كِسْرى بْنِ هُرْمُزَ كَما هو مَذْكُورٌ مُسْتَوْفًى في دَلائِلِ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ، وكَذَبُوا في شَكِّهِمْ. فَفازَ المُصَدِّقُونَ، وخابَ الَّذِينَ هم في رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب