الباحث القرآني
ثُمَّ ذَكَّرَهُمُ الشِّدَّةَ الَّتِي حَصَلَتْ بِتَمالُئِهِمْ فَقالَ مُبْدِلًا مِن ﴿إذْ﴾ الأُولى: ﴿إذْ جاءُوكُمْ﴾ أيِ الجُنُودُ المَذْكُورُونَ بادِئًا بِالأقْرَبِ إلَيْهِمْ، لِأنَّ الأقْرَبَ أبْصَرُ بِالعَوْرَةِ وأخْبَرَ بِالمَضَرَّةِ.
ولَمّا كانَ مِنَ المَعْلُومِ أنَّهم لَمْ يُطَبِّقُوا ما عَلا وما سَفَلَ، أدْخَلَ أداةَ التَّبْعِيضِ فَقالَ: ﴿مِن فَوْقِكُمْ﴾ يَعْنِي بَنِي قُرَيْظَةَ وأسَدَ وغَطَفانَ مِن ناحِيَةِ مَصَبِّ السُّيُولِ مِنَ المَشْرِقِ، وأضافَ الفَوْقَ إلى ضَمِيرِهِمْ لِأنَّ العِيالَ كانُوا في الآكامِ، وهي بَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ وبَيْنَ مَن في الخَنْدَقِ، فَصارُوا (p-٣٠١)فَوْقَ العِيالِ والرِّجالِ.
ولَمّا كانَ المُرادُ الفَوْقِيَّةَ مِن جِهَةِ عُلُوِّ الأرْضِ، أوْضَحَها بِقَوْلِهِ: ﴿ومِن أسْفَلَ مِنكُمْ﴾ دُونَ أنْ يَقُولَ: أسْفَلِكُمْ، وأفادَ ذَلِكَ أيْضًا مَن في أسْفَلِ إنَّما أحاطُوا بِبَعْضِ جِهَةِ الرِّجالِ [فَقَطْ،] ولَمْ يَقُلْ ”ومِن تَحْتِكُمْ“ لِئَلّا يُظَنَّ أنَّهُ فَوْقَ الرُّؤُوسِ وتَحْتَ الأرْجُلِ، ولَمْ يَقُلْ في الأوَّلِ ”مِن أعْلى مِنكُمْ“ لِئَلّا يَكُونَ فِيهِ وصْفٌ لِلْكَفَرَةِ بِالعُلُوِّ، وأسْفَلُ الأرْضِ المَدِينَةُ مِن ناحِيَةِ المَغْرِبِ يَعْنِي قُرَيْشًا، ومَن لافَّها مِن كِنانَةَ فَإنَّ طَرِيقَهم مِن تِلْكَ الجِهَةِ.
ولَمّا ذَكَّرَهم بِالمَجِيءِ الَّذِي هو سَبَبُ الخَوْفِ، ذَكَّرَهم بِالخَوْفِ بِذِكْرِ ظَرْفِهِ أيْضًا مُفَخِّمًا لِأمْرِهِ بِالعَطْفِ فَقالَ: ﴿وإذْ﴾ أيْ واذْكُرُوا حِينَ، وأنَّثَ الفِعْلَ وما عَطَفَ عَلَيْهِ لِأنَّ التَّذْكِيرَ الَّذِي يَدُورُ مَعْناهُ عَلى القُوَّةِ والعُلُوِّ والصَّلابَةِ يُنافِي الزَّيْغَ فَقالَ: ﴿زاغَتِ الأبْصارُ﴾ أيْ مالَتْ عَنْ سَدادِ القَصْدِ فِعْلَ الوالِهِ الجَزِعِ بِما حَصَلَ مِنَ الغَفْلَةِ النّاشِئَةِ عَنِ الدَّهْشَةِ الحاصِلَةِ مِنَ الرُّعْبِ، وقَطَعَ ذَلِكَ عَنِ الإضافَةِ إلى كافِ الخِطابِ إبْقاءً عَلَيْهِمْ وتَعْلِيمًا لِلْأدَبِ في المُخاطَبَةِ، وكَذا ﴿وبَلَغَتِ القُلُوبُ﴾ كِنايَةً عَنْ شِدَّةِ الرُّعْبِ والخَفَقانِ، ويَجُوزُ - وهو الأقْرَبُ - أنْ يَكُونَ ذَلِكَ (p-٣٠٢)حَقِيقَةً بِجَذْبِ الطِّحالِ والرِّئَةِ لَها عِنْدَ ذَلِكَ بِانْتِفاخِهِما إلى أعْلى الصَّدْرِ، ومِنهُ قَوْلُهم لِلْجَبانِ: انْتَفَخَ مُنْخَرُهُ أيْ رِئَتُهُ ﴿الحَناجِرَ﴾ جَمْعُ حَنْجَرَةٍ، وهي مُنْتَهى الحُلْقُومِ، ومِن هَذا قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ فِيما رَواهُ أحْمَدُ وأبُو داوُدَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «شَرُّ ما في الإنْسانِ جُبْنٌ خالِعٌ» أيْ يَخْلَعُ القَلْبَ مِن مَكانِهِ، وجَمْعُ الكَثْرَةِ إشارَةٌ إلى أنَّ ذَلِكَ عَمَّهم أوْ كادَ.
ولَمّا كانَتْ هَذِهِ حالَةً عَرَضَتْ، ثُمَّ كانَ مِن أمْرِها أنَّها إمّا زالَتْ وثَبَتَتْ إلى انْقِضاءِ الأمْرِ، عَبَّرَ عَنْها بِالماضِي لِذَلِكَ وتَحْقِيقًا لَها ولَمّا نَشَأ عَنْها تَقَلًُّبُ القُلُوبِ وتَجَدُّدُ ذَهابِ الأفْكارِ كُلَّ مَذْهَبٍ، عَبَّرَ بِالمُضارِعِ الدّالِّ عَلى دَوامِ التَّجَدُّدِ فَقالَ: ﴿وتَظُنُّونَ بِاللَّهِ﴾ الَّذِي لَهُ صِفاتُ الكَمالِ فَلا يُلِمُّ نَقْصٌ ما بِساحَةِ عَظَمَتِهِ، ولا يَدْنُو شَيْءٌ مِن شَيْنٍ إلى جَنابٍ عِزَّتِهِ ﴿الظُّنُونا﴾ أيَّ أنْواعِ الظَّنِّ إمّا بِالنِّسْبَةِ [إلى الأشْخاصِ فَواضِحٌ، وذَلِكَ بِحَسَبِ قُوَّةِ الإيمانِ وضَعْفِهِ، وإمّا بِالنِّسْبَةِ إلى] الشَّخْصِ الواحِدِ فَحَسَبَ تَغَيُّرِ الأحْوالِ، فَتارَةً يُظَنُّ الهَلاكُ لِلضَّعْفِ، وتارَةً النَّجاةُ لِأنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى ذَلِكَ، ويَظُنُّ المُنافِقُونَ ومَن قارَبَهم مِن ضُعَفاءِ القُلُوبِ ما حَكى [اللَّهُ] عَنْهُمْ؛ قالَ الرّازِي في اللَّوامِعِ: [و] يُرْوى أنَّ المُسْلِمِينَ قالُوا: بَلَغَتِ [القُلُوبُ] الحَناجِرَ، فَهَلْ مِن شَيْءٍ نَقُولُ؟ (p-٣٠٣)فَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ:
«اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْراتِنا، وآمِن رَوْعاتِنا» وزِيادَةُ الألِفِ في قِراءَةِ مَن أثْبَتَها في الحالَيْنِ وهُمُ المُدَنِيّانِ وابْنُ عامِرٍ وشُعْبَةُ إشارَةً إلى اتِّساعِ هَذِهِ الأفْكارِ، وتَشَعُّبِ تِلْكَ الخَواطِرِ، وعِنْدَ مَن أثْبَتَها في الوَقْفِ دُونَ الوَصْلِ وهُمُ ابْنُ كَثِيرٍ والكِسائِيُّ وحَفْصٌ إشارَةً إلى اخْتِلافِ الحالِ تارَةً بِالقُوَّةِ وتارَةً بِالضَّعْفِ.
{"ayah":"إِذۡ جَاۤءُوكُم مِّن فَوۡقِكُمۡ وَمِنۡ أَسۡفَلَ مِنكُمۡ وَإِذۡ زَاغَتِ ٱلۡأَبۡصَـٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلۡقُلُوبُ ٱلۡحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا۠"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











