الباحث القرآني

﴿ثُمَّ سَوّاهُ﴾ أيْ عَدَلَهُ لِما يُرادُ مِنهُ بِالتَّخْطِيطِ والتَّصْوِيرِ وإبْداعِ المَعانِي ﴿ونَفَخَ فِيهِ مِن رُوحِهِ﴾ الرُّوحُ ما يَمْتازُ بِهِ الحَيُّ مِن (p-٢٤٥)المَيِّتِ، والإضافَةُ لِلتَّشْرِيفِ، فَيا لَهُ مِن شَرَفٍ ما أعْلاهُ إضافَتُهُ إلى اللَّهِ. ولَمّا ألْقى السّامِعُونَ لِهَذا الحَدِيثِ أسْماعَهُمْ، فَكانُوا جَدِيرِينَ بِأنْ يَزِيدَ المُحَدِّثُ لَهم إقْبالَهم وانْتِفاعَهُمْ، لَفَتَ إلَيْهِمُ الخِطابَ قائِلًا: ﴿وجَعَلَ﴾ أيْ بِما رَكَّبَ في البَدَنِ مِنَ الأسْبابِ ﴿لَكُمُ السَّمْعَ﴾ [أيْ] تُدْرِكُونَ بِهِ المَعانِيَ المُصَوِّتَةَ، ووَحَّدَهُ لِقِلَّةِ التَّفاوُتِ فِيهِ إذا كانَ سالِمًا ﴿والأبْصارَ﴾ تُدْرِكُونَ بِها المَعانِيَ والأعْيانَ القابِلَةَ، [ولَعَلَّهُ قَدَّمَها لِأنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِما حالَ الوِلادَةِ، وقَدَّمَ السَّمْعَ لِأنَّهُ يَكُونُ إذْ ذاكَ أمْتَنَ مِنَ البَصَرِ. ولِذا تَرْبُطُ القَوابِلُ العَيْنَ لِئَلّا يُضْعِفَها النُّورُ، وأمّا العَقْلُ فَإنَّما يَحْصُلُ بِالتَّدْرِيجِ فَلِذا أخَّرَ مَحَلَّهُ فَقالَ:] ﴿والأفْئِدَةَ﴾ أيِ المُضَغُ الحارَّةُ المُتَوَقِّدَةُ المُتَحَرِّفَةُ، وهي القُلُوبُ المُودَعَةُ غَرائِزَ العُقُولِ المُتَبايِنَةِ فِيها أيَّ تَبايُنٍ؛ قالَ الرّازِي في اللَّوامِعِ: جَعَلَهُ - أيِ الإنْسانَ - مُرَكَّبًا مِن رُوحانِيٍّ وجُسْمانِيٍّ، وعَلَوِيٍّ وسُفْلِيٍّ، جَمَعَ فِيهِ بَيْنَ العالَمِينَ بِنَفْسِهِ وجَسَدِهِ، واسْتَجْمَعَ الكَوْنَيْنِ بِعَقْلِهِ وحِسِّهِ، وارْتَفَعَ عَنِ الدَّرَجَتَيْنِ بِاتِّصالِ الأمْرِ الأعْلى بِهِ وحْيًا قَوْلِيًا، وسَلَّمَ الأمْرَ لِمَن لَهُ الخَلْقُ والأمْرُ (p-٢٤٦)تَسْلِيمًا اخْتِيارِيًّا طَوْعِيًا. و[لَمّا] لَمْ يَتَبادَرُوا إلى الإيمانِ عِنْدَ التَّذْكِيرِ بِهَذِهِ النِّعَمِ الجِسامِ قالَ: ﴿قَلِيلا ما تَشْكُرُونَ﴾ أيْ وكَثِيرًا ما تَكْفُرُونَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب