الباحث القرآني

ولَمّا كانَ قَدْ تَقَدَّمَ عَنِ الكُفّارِ في هَذِهِ السُّورَةِ قَوْلانِ: أحَدُهُما في التَّكْذِيبِ بِالقُرْآنِ، والثّانِي في إنْكارِ البَعْثِ، ودَلَّ سُبْحانَهُ عَلى فَسادِهِما إلى أنْ خَتَمَ بِذِكْرِ الآياتِ والبَعْثِ والفَصْلِ بَيْنَ المُحِقِّ والمُبْطِلِ، أتْبَعَهُ اسْتِفْهامَيْنِ إنْكارِيَّيْنِ مَنشُورَيْنِ عَلى القَوْلَيْنِ [وخَتَمَتْ آيَةٌ كُلٌّ مِنهُما بِآخَرَ، فَتَصِيرُ الِاسْتِفْهاماتُ أرْبَعَةً،] وفي مَدْخُولِ الأوَّلِ الفَصْلُ بَيْنَ الفَرِيقَيْنِ في الدُّنْيا، فَقالَ مُهَدَّدًا: ﴿أوَلَمْ﴾ أيْ أيَقُولُونَ عِنادًا لِرَسُولِنا: أفْتَراهُ ولَمْ ﴿يَهْدِ﴾ أيْ يُبَيِّنْ - كَما رَواهُ البُخارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما ﴿لَهم كَمْ أهْلَكْنا﴾ أيْ كَثْرَةَ مَن أهْلَكْناهُ. (p-٢٦٨)ولَمّا كانَ قُرْبُ شَيْءٍ في الزَّمانِ أوِ المَكانِ أدَلَّ، بَيَّنَ قُرْبَهم بِإدْخالِ الجارِّ فَقالَ: ﴿مِن قَبْلِهِمْ﴾ أيْ لِأجْلِ مُعانَدَةِ الرُّسُلِ ﴿مِنَ القُرُونِ﴾ الماضِينَ مِنَ المُعْرِضِينَ عَنِ الآياتِ، ونَجَّيْنا مَن آمَنَ بِها، و [رُبَّما] كانَ قُرْبُ المَكانِ مَنزِلًا قُرْبَ الزَّمانِ لِكَثْرَةِ التَّذْكِيرِ بِالآثارِ، والتَّرَدُّدِ خِلالَ الدِّيارِ. ولَمّا كانَ انْهِماكُهم في الدُّنْيا الزّائِلَةِ قَدْ شَغَلَهم عَنِ التَّفَكُّرِ فِيما يَنْفَعُهم عَنِ المَواعِظِ بِالأفْعالِ والأقْوالِ، أشارَ إلى ذَلِكَ بِتَصْوِيرِ اطِّلاعِهِمْ عَلى ما لَهم مِنَ الأحْوالِ، بِقَوْلِهِ: ﴿يَمْشُونَ﴾ أيْ أنَّهم لَيْسُوا بِأهْلِ لِلتَّفَكُّرِ إلّا حالَ المَشْيِ ﴿فِي مَساكِنِهِمْ﴾ لِشِدَّةِ ارْتِباطِهِمْ مَعَ المَحْسُوساتِ، وذَلِكَ كَمَساكِنِ عادٍ وثَمُودَ وقَوْمِ لُوطٍ ونَحْوِهِمْ. ولَمّا كانَ في هَذا أتَمَّ عِبْرَةٍ وأعْظَمَ عِظَةٍ، قالَ مُنَبِّهًا عَلَيْهِ مُؤَكِّدًا تَنْبِيهًا عَلى أنَّ مَن لَمْ يَعْتَبِرْ مُنْكِرٌ لِما فِيهِ مِنَ العِبَرِ: ﴿إنَّ في ذَلِكَ﴾ أيِ الأمْرِ العَظِيمِ ﴿لآياتٍ﴾ أيْ دَلالاتٍ ظاهِراتٍ جِدًّا، مَرْئِيّاتٍ في الدِّيارِ وغَيْرِها مِنَ الآثارِ، ومَسْمُوعاتٍ في الأخْبارِ. ولَمّا كانَ السَّماعُ هو الرَّكْنَ الأعْظَمَ، [وكانَ إهْلاكُ القُرُونِ إنَّما وصَلَ إلَيْهِمْ بِالسَّماعِ،] قالَ مُنْكِرًا: ﴿أفَلا يَسْمَعُونَ﴾ أيْ إنَّ أحْوالَهم لا يَحْتاجُ مَن ذُكِرَتْ لَهُ في الرُّجُوعِ عَنِ الغَيِّ إلى غَيْرِ سَماعِها، (p-٢٦٩)فَإنْ لَمْ يَرْجِعْ فَهو مِمَّنْ لا سَمْعَ لَهُ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب