الباحث القرآني

ولَمّا كانَ مَقْصُودُ السُّورَةِ نَفْيَ الرَّيْبِ عَنْ تَنْزِيلِ هَذا الكِتابِ المُبِينِ في أنَّهُ مِن عِنْدِ رَبِّ العالَمِينَ، ودَلَّ عَلى أنَّ الإعْراضَ عَنْهُ إنَّما هو ظُلْمٌ وعِنادٌ بِما خَتَمَهُ بِالتَّهْدِيدِ عَلى الإعْراضِ عَنِ الآياتِ بِالِانْتِقامِ، و[كانَ] قَدِ انْتَقَمَ سُبْحانَهُ مِمَّنِ اسْتَخَفَّ بِمُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ قَبْلَ إنْزالِ الكِتابِ عَلَيْهِ وبَعْدَ إنْزالِهِ، وكانَ أوَّلَ مَن أُنْزِلَ عَلَيْهِ كِتابٌ (p-٢٦٤)مِن بَنِي إسْرائِيلَ بَعْدَ فَتْرَةٍ كَبِيرَةٍ مِنَ الأنْبِياءِ بَيْنَهُ وبَيْنَ يُوسُفَ عَلَيْهِما السَّلامُ وآمَنَ بِهِ جَمِيعُهم وألَّفَهُمُ اللَّهُ بِهِ وأنْقَذَهم مِن أسْرِ القِبْطِ عَلى يَدِهِ، ذَكَّرَ بِحالَةِ تَسْلِيَةٍ وتَأْسِيَةٍ لِمَن أقْبَلَ وتَهْدِيدًا لِمَن أعْرَضَ، وبِشارَةً بِإيمانِ العَرَبِ كُلِّهِمْ وتَأْلِيفِهِمْ بِهِ وخَلاصِ أهْلِ اليَمَنِ مِنهم مِن أسْرِ الفُرْسِ بِسَبَبِهِ، فَقالَ مُؤَكِّدًا تَنْبِيهًا لِمَن يَظُنُّ أنَّ العَظِيمَ لا يُرَدُّ شَيْءٌ مِن أمْرِهِ: ﴿ولَقَدْ آتَيْنا﴾ عَلى ما لَنا مِنَ العَظَمَةِ ﴿مُوسى الكِتابَ﴾ [أيِ الجامِعِ لِلْأحْكامِ] وهو التَّوْراةُ. ولَمّا كانَ ذَلِكَ مِمّا لا رَيْبَ فِيهِ أيْضًا، وكانَ قَوْمُهُ قَدْ تَرَكُوا اتِّباعَ كَثِيرٍ مِنهُ لا سِيَّما فِيما قَصَّ مِن صِفاتِ نَبِيِّنا ﷺ وفِيما أمَرَ فِيهِ بِاتِّباعِهِ، وكانَ هَذا إعْراضًا مِنهم مِثْلَ إعْراضِ الشّاكِّ في الشَّيْءِ، وكانُوا في زَمَنِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ أيْضًا يُخالِفُونَ أوامِرَهُ وقْتًا بَعْدَ وقْتٍ وحِينًا إثْرَ حِينٍ، تَسَبَّبَ عَنِ الإيتاءِ المَذْكُورِ قَوْلَهُ تَعْرِيضًا بِهِمْ وإعْلامًا بِأنَّ العَظِيمَ قَدْ يُرِيدُ [رَدَّ] بَعْضِ أوامِرِهِ لِحِكْمَةٍ دَبَّرَها: ﴿فَلا تَكُنْ﴾ أيْ كَوْنًا راسِخًا، بِما أشارَ إلَيْهِ فِعْلُ الكَوْنِ وإثْباتُ نُونِهِ، (p-٢٦٥)فَيُفْهِمُ العَفْوَ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ الواقِعِ مِنَ الأُمَّةِ عَلى ما بَيَّنَهُ ﷺ ﴿فِي مِرْيَةٍ﴾ أيْ شَكٍّ ﴿مِن لِقائِهِ﴾ أيْ لا تَفْعَلْ في ذَلِكَ فِعْلَ الشّاكِّ في لِقاءِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ [لِلْكِتابِ] مِنّا وتَلَقِّيهِ لَهُ بِالرِّضا والقَبُولِ والتَّسْلِيمِ، كَما فَعَلَ المُدَّعُونَ لِاتِّباعِهِ والعَمَلِ بِكِتابِهِ في الإعْراضِ عَمّا دَعاهم إلَيْهِ مِن دِينِ الإسْلامِ، أوْ لا تَفْعَلْ فِعْلَ الشّاكِّ في لِقائِكَ الكِتابَ مِنّا وإنْ نَسَبُوكَ إلى الِافْتِراءِ وإنْ تَأخَّرَ بَعْضُ ما يُخْبِرُ بِهِ فَسَيَكُونُ هُدًى لِمَن بَقِيَ مِنهُمْ، وعَذابًا لِلْماضِينَ، ولا يَبْقى خَبَرُ ما أخْبَرَ بِهِ أنَّهُ كائِنٌ إلّا كانَ طِبْقَ ما أخْبَرَ بِهِ، فَإنَّكَ لَتُلَقّاهُ مِن لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ، وقَدْ صَبَرَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ في تَلَقِّي كِتابِهِ ودُعائِهِ حَتّى ماتَ عَلى أحْسَنِ الأحْوالِ، أوْ يَكُونُ المَعْنى: ولَقَدْ آتَيْنا مُوسى الكِتابَ فاخْتُلِفَ [عَلَيْهِ] فِيهِ فَما شَكَّ أحَدٌ مِنَ الثّابِتِينَ في إيتائِنا إيّاهُ الكِتابَ لِأجْلِ إعْراضِ مَن أعْرَضَ، ولا زَلْزَلَةَ إدْبارِ مَن أدْبَرَ، وانْتَقَمْنا مِمَّنْ أعْرَضَ عَنْهُ فَلا يَكُنْ أحَدٌ مِمَّنْ آمَنَ بِكَ في شَكٍّ مِن إيتائِنا الكِتابَ لَكَ لِإعْراضِ مَن أعْرِضُ، فَسَنُهْلِكُ مَن حَكَمْنا بِشَقائِهِ انْتِقامًا مِنهُ، ونُسْعِدُ الباقِينَ بِهِ. ولَمّا أشارَ إلى إعْراضِهِمْ عَنْهُ وإعْراضِ العَرَبِ عَنْ كِتابِهِمْ، ذَكَرَ أنَّ الكُلَّ فَعَلُوا بِذَلِكَ الضَّلالِ ضِدَّ ما أنْزَلَ لَهُ الكِتابَ، فَقالَ مُمْتَنًّا عَلى (p-٢٦٦)بَنِي إسْرائِيلَ ومُبَشِّرًا لِلْعَرَبِ: ﴿وجَعَلْناهُ﴾ أيْ كِتابَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ جَعْلًا يَلِيقُ بِعَظَمَتِنا ﴿هُدًى﴾ أيْ بَيانًا عَظِيمًا ﴿لِبَنِي إسْرائِيلَ﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب