الباحث القرآني

ولَمّا تَقَرَّرَ دَلِيلُ البَعْثِ بِما لا خَفاءَ فِيهِ ولا لَبْسَ، شَرَعَ يَقُصُّ بَعْضَ أحْوالِهِمْ عِنْدَ ذَلِكَ، فَقالَ عادِلًا عَنْ خِطابِهِمُ اسْتِهانَةً بِهِمْ وإيذانًا بِالغَضَبِ، وخِطابًا لِلنَّبِيِّ ﷺ تَسْلِيَةً لَهُ، أوْ لِكُلِّ مَن يَصِحُّ خِطابُهُ، عاطِفًا عَلى ما تَقْدِيرُهُ: فَلَوْ رَأيْتَهم وقَدْ بُعْثِرَتِ القُبُورُ، وحُصِّلَ ما في الصُّدُورِ، وهُناكَ أُمُورٌ أيُّ أُمُورٍ، مُوقِعًا المُضارِعَ في حَيِّزِ ما مِن شَأْنِهِ الدُّخُولُ عَلى الماضِي، لِأنَّهُ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ كَأنَّهُ قَدْ كانَ، واخْتِيرَ التَّعْبِيرُ بِهِ لِتَرْوِيحِ النَّفْسِ بِتَرَقُّبِ رُؤْيَتِهِ حالَ سَماعِهِ، تَعْجِيلًا لِلسُّرُورِ بِتَرَقُّبِ المَحْذُورِ لِأهْلِ الشُّرُورِ: ﴿ولَوْ تَرى﴾ أيْ تَكُونُ أيُّها الرّائِي مِن أهْلِ الرُّؤْيَةِ لِتَرى حالَ المُجْرِمِينَ ﴿إذِ المُجْرِمُونَ﴾ أيِ القاطِعُونَ لِما أمَرَ اللَّهُ (p-٢٥٠)بِهِ أنْ يُوصَلَ بَعْدَ أنْ وقَفُوا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِمْ ﴿ناكِسُو رُءُوسِهِمْ﴾ أيْ: مُطَأْطِئُوها خَجَلًا وخَوْفًا وخِزْيًا وذُلًّا في مَحَلِّ المُناقَشَةِ ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ المُحْسِنِ إلَيْهِمُ المُتَوَحِّدِ بِتَدْبِيرِهِمْ، قائِلِينَ بِغايَةِ الذُّلِّ والرِّقَّةِ: ﴿رَبَّنا﴾ أيْ: أيُّها المُحْسِنُ إلَيْنا ﴿أبْصَرْنا﴾ ما كُنّا نُكَذِّبُ بِهِ ﴿وسَمِعْنا﴾ أيْ: مِنكَ ومِن مَلائِكَتِكَ ومِن أصْواتِ النِّيرانِ وغَيْرِ ذَلِكَ ما كُنّا نَسْتَبْعِدُهُ، فَصِرْنا عَلى غايَةِ العِلْمِ بِتَمامِ قُدْرَتِكَ وصِدْقِ وُعُودِكَ ﴿فارْجِعْنا﴾ بِما لَكَ مِن هَذِهِ الصِّفَةِ المُقْتَضِيَةِ لِلْإحْسانِ، إلى دارِ الأعْمالِ ﴿نَعْمَلْ صالِحًا﴾ ثُمَّ حَقَّقُوا هَذا الوَعْدَ بِقَوْلِهِمْ عَلى سَبِيلِ التَّعْلِيلِ مُؤَكِّدِينَ لِأنَّ حالَهم كانَ حالَ الشّاكِّ الَّذِي يَتَوَقَّفُ المُخاطَبُ في إيقانِهِ: ﴿إنّا مُوقِنُونَ﴾ أيْ: ثابِتٌ [الآنَ] لَنا الإيقانُ بِجَمِيعِ ما أُخْبِرْنا بِهِ عَنْكَ مِمّا كُشِفَ عَنْهُ العِيانُ، أيْ لَوْ رَأيْتَ ذَلِكَ لَرَأيْتَ أمْرًا لا يَحْتَمِلُهُ مِن هَوْلِهِ وعِظَمِهِ عَقْلٌ، ولا يُحِيطُ بِهِ وصْفٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب