الباحث القرآني

ولَمّا ذَكَرَ اسْتِبْعادَهُمْ، وأتْبَعَهُ عِنادَهُمْ، وكانَ إنْكارُهم إنَّما هو بِسَبَبِ اخْتِلاطِ الأجْزاءِ بِالتُّرابِ بَعْدَ انْقِلابِها تُرابًا، فَكانَ عِنْدَهم مِنَ المُحالِ تَمْيِيزُها مِن بَقِيَّةِ التُّرابِ. دَلَّ عَلى أنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ هَيِّنٌ بِأنْ نَبَّهَهم عَلى ما هم مُقِرُّونَ بِهِ مِمّا هو مِثْلُ ذَلِكَ بَلْ أدَقُّ. فَقالَ مُسْتَأْنِفًا: ﴿قُلْ﴾ أيْ (p-٢٤٨)جَوابًا لَهم عَنْ شُبْهَتِهِمْ: ﴿يَتَوَفّاكُمْ﴾ أيْ يَقْبِضُ أرْواحَكم كامِلَةً مِن أجْسادِكم بَعْدَ أنْ كانَتْ مُخْتَلِطَةً بِجَمِيعِ أجْزاءِ البَدَنِ، لا تَمَيُّزَ لِأحَدِهِما عَنِ الآخَرِ بِوَجْهٍ تَعْرِفُونَهُ بِنَوْعِ حِيلَةٍ ﴿مَلَكُ المَوْتِ﴾ ثُمَّ أشارَ إلى أنَّ فِعْلَهُ بِقُدْرَتِهِ، وأنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ في غايَةِ السُّهُولَةِ، بِبِناءِ الفِعْلِ لِما لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ فَقالَ: ﴿الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾ أيْ وكَلَهُ الخالِقُ لَكم بِذَلِكَ، وهو عَبْدٌ مِن عَبِيدِهِ، فَفَعَلَ ما أُمِرَ بِهِ، فَإذا البَدَنُ مُلْقًى لا رُوحَ في شَيْءٍ مِنهُ وهو عَلى حالِهِ كامِلًا لا نَقْصَ في شَيْءٍ مِنهُ يَدَّعِي الخَلَلَ بِسَبَبِهِ، فَإذا كانَ هَذا فِعْلَ عَبْدٍ مِن عَبِيدِهِ صَرَفَهُ في ذَلِكَ فَقامَ بِهِ عَلى ما تَرَوْنَهُ مَعَ أنَّ مُمازَجَةَ الرُّوحِ لِلْبَدَنِ أشَدُّ مِن مُمازَجَةِ تُرابِ البَدَنِ لِبَقِيَّةِ التُّرابِ لِأنَّهُ رُبَّما يَسْتَدِلُّ بَعْضُ الحُذّاقِ عَلى بَعْضِ ذَلِكَ بِنَوْعِ دَلِيلٍ مِن شَمٍّ ونَحْوِهِ، فَكَيْفَ يُسْتَبْعَدُ شَيْءٌ مِنَ الأشْياءِ عَلى رَبِّ العالَمِينَ، ومُدَبِّرِ الخَلائِقِ أجْمَعِينَ؟ . فَلَمّا قامَ هَذا البُرْهانُ القَطْعِيُّ الظّاهِرُ مَعَ دِقَّتِهِ لِكُلِّ أحَدٍ عَلى قُدْرَتِهِ التّامَّةِ عَلى تَمْيِيزِ تُرابِهِمْ مِن تُرابِ الأرْضِ، وتَمْيِيزِ بَعْضِ تُرابِهِمْ مِن بَعْضٍ، وتَمْيِيزُ تُرابِ كُلِّ جُزْءٍ مِن أجْزائِهِمْ جَلَّ أوْ دَقَّ عَنْ بَعْضٍ. عَلِمَ أنَّ التَّقْدِيرَ: ثُمَّ يُعِيدُكم خَلْقًا جَدِيدًا كَما كُنْتُمْ أوَّلَ مَرَّةٍ، فَحَذَفَهُ كَما هو (p-٢٤٩)عادَةُ القُرْآنِ في حَذْفِ كُلِّ ما دَلَّ عَلَيْهِ السِّياقُ ولَمْ يَدْعُ داعٍ إلى ذِكْرِهِ فَعَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ﴾ أيِ الَّذِي ابْتَدَأ خَلْقَكم وتَرْبِيَتَكم وأحْسَنَ إلَيْكم غايَةَ الإحْسانِ ابْتِداءً، لا إلى غَيْرِهِ، بَعْدَ إعادَتِكم ﴿تُرْجَعُونَ﴾ بِأنْ يَبْعَثَكم كَنَفْسٍ واحِدَةٍ فَإذا أنْتُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيَتِمُّ إحْسانُهُ ورُبُوبِيَّتُهُ بِأنْ يُجازِيَ كُلًّا بِما فَعَلَ، كَما هو دَأْبُ المُلُوكِ مَعَ عَبِيدِهِمْ، لا يَدَعُ أحَدٌ مِنهُمُ الظّالِمَ مِن عَبِيدِهِ مُهْمَلًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب