الباحث القرآني

ولَمّا كانَ الإنْسانُ قَدْ يَكُونُ غافِلًا، فَإذا نُبِّهَ انْتَبَهَ، دَلَّ سُبْحانَهُ عَلى أنَّ [هَذا] الإنْسانَ المُنْهَمِكَ في أسْبابِ الخُسْرانِ لا يَزْدادُ عَلى مَرِّ الزَّمانِ إلّا مُفاجَأةً لِكُلِّ ما يَرِدُ عَلَيْهِ مِنَ البَيانِ بِالبَغْيِ والطُّغْيانِ، فَقالَ مُفْرِدًا لِلضَّمِيرِ حَمْلًا عَلى اللَّفْظِ أيْضًا لِئَلّا يَتَعَلَّقَ مُتَمَحِّلٌ بِأنَّ المَذْمُومَ إنَّما هو الجَمْعُ صارِفًا الكَلامَ إلى مَظْهَرِ العَظَمَةِ لِما اقْتَضاهُ الحالُ مِنَ التَّرْهِيبِ: (p-١٥٠)﴿وإذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا﴾ أيْ يَتَجَدَّدُ عَلَيْهِ تِلاوَةُ ذَلِكَ مَعَ ما لَهُ مِنَ العَظَمَةِ مِن أيِّ تالٍ كانَ وإنْ عَظُمَ ﴿ولّى﴾ أيْ بَعْدَ السَّماعِ، مُطْلَقَ التَّوَلِّي سَواءٌ كانَ عَلى حالَةِ المُجانَبَةِ أوْ [مُدْبِرًا] ﴿مُسْتَكْبِرًا﴾ أيْ حالَ كَوْنِهِ طالِبًا مُوجِدًا لَهُ بِالإعْراضِ عَنِ الطّاعَةِ تَصْدِيقًا لِقَوْلِنا آخِرَ تِلْكَ ﴿ولَئِنْ جِئْتَهم بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إنْ أنْتُمْ إلا مُبْطِلُونَ﴾ [الروم: ٥٨] ولَمّا كانَ السّامِعُ لِآياتِهِ سُبْحانَهُ جَدِيرًا بِأنْ تُكْسِبَهُ رِقَّةً وتَواضُعًا، قالَ تَعالى دالًّا عَلى أنَّ هَذا الشَّقِيَّ كانَ حالُهُ عِنْدَ سَماعِهِ وبُعْدِهِ كَما كانَ قَبْلُ: ﴿كَأنْ﴾ أيْ كَأنَّهُ، أيْ مُشْبِهًا حالُهُ بَعْدَ السَّماعِ حالَهُ حِينَ ﴿لَمْ يَسْمَعْها﴾ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّهُ لَمْ يَزَلْ عَلى حالَةِ الكِبْرِ لِأنَّهُ شَبَّهَ حالَهُ مَعَ السَّماعِ بِحالِهِ مَعَ عَدَمِ السَّماعِ، وقَدْ بَيَّنَ أنَّ حالَهُ مَعَ السَّماعِ الِاسْتِكْبارُ فَكانَ حالُهُ قَبْلَ السَّماعِ كَذَلِكَ. ولَمّا كانَ مَن لَمْ يَسْمَعِ الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ قابِلًا لِلسَّمْعِ، فَإذا كَلَّمَ مَن قَدْ جَرَتِ العادَةُ بِأنْ يَسْمَعَ مِنهُ سَمِعَ، بَيَّنَ أنَّ حالَ هَذا كَما كانَ مُساوِيًا لِما قَبْلَ التِّلاوَةِ فَهو مُساوٍ لِما بَعْدَها، لِأنَّ سَمْعَهُ مُشابِهٌ لِمَن بِهِ صَمَمٌ، فالمُضارِعُ في ”يُتْلى“ مُفْهِمٌ لِأنَّ الحالَ في الِاسْتِقْبالِ كَهي في الحالِ فَقالَ تَعالى: ﴿كَأنَّ في أُذُنَيْهِ وقْرًا﴾ أيْ صَمَمًا يَسْتَوِي مَعَهُ تَكْلِيمُ غَيْرِهِ لَهُ وسُكُوتُهُ. (p-١٥١)ولَمّا تَسَبَّبَ عَنْ ذَلِكَ اسْتِحْقاقُهُ لِما يُزِيلُ نَخْوَتَهُ وكِبْرَهُ وعَظَمَتَهُ، وكانَ اسْتِمْرارُ الألَمِ أعْظَمَ كاسِرٍ لِذَوِي الشَّمَمِ، وكانَ مِن طَبْعِ الإنْسانِ الِاهْتِزازَ لِوَعْدِ الإحْسانِ كائِنًا مَن كانَ نَوْعَ اهْتِزازٍ قالَ: ﴿فَبَشِّرْهُ﴾ فَلَمّا كانَ جَدِيرًا بِأنْ يُقْبِلَ - لا يُوَلِّي لِظَنِّهِ البَشَرِيِّ - عَلى حَقِيقَتِها لِأنَّ مَن يَعْلَمُ أنَّهُ أهْلٌ لِلْعَذابِ بِأفْعالِهِ الصِّعابِ لا يَزالُ يَتَوالى عَلَيْهِ النِّعَمُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ حَتّى يَظُنَّ أوْ يَكادُ يَقْطَعُ بِأنَّ المَعاصِيَ سَبَبٌ لِذَلِكَ وأنَّهُ - لَمّا كانَ عِنْدَ اللَّهِ مِن عَظِيمِ المَنزِلَةِ - لا يُكْرَهُ مِنهُ عَمَلٌ مِنَ الأعْمالِ، قَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿بِعَذابٍ﴾ أيْ عِقابٍ مُسْتَمِرٍّ ﴿ألِيمٍ﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب