الباحث القرآني
ولَمّا كانَ فَطْمُ النَّفْسِ عَنِ الشَّهَواتِ. أعْظَمَ هُدًى قائِدٍ إلى حُصُولِ المُراداتِ، وكانَ اتِّباعُها الشَّهَواتِ أعْظَمَ قاطِعٍ عَنِ الكَمالاتِ، وكانَ في خِتامِ الرُّومِ أنَّ مَن وقَفَ مَعَ المَوْهُوماتِ عَنْ طَلَبِ (p-١٤٦)المَعْلُوماتِ مَطْبُوعٌ عَلى قَلْبِهِ، وكانَ ما دَعا إلَيْهِ الكِتابُ هو الحِكْمَةَ الَّتِي نَتِيجَتُها الفَوْزُ، وما دَعا إلَيْهِ اللَّهْوُ هو السَّفَهُ المُضادُّ لِلْحِكْمَةِ، بِوَضْعِ الأشْياءِ في غَيْرِ مَواضِعِها، المُثْمِرُ لِلْعَطَبِ، قالَ تَعالى مُعَجِّبًا مِمَّنْ يَتْرُكُ الجِدَّ إلى اللَّهْوِ، ويَعْدِلُ عَنْ جَوْهَرِ العِلْمِ إلى صِدْقِ السَّهْوِ، عاطِفًا عَلى ما تَقْدِيرُهُ: فَمِنَ النّاسِ مَن يَتَحَلّى بِهَذا الحالِ فَيَرْقى إلى حَلَبَةِ أهْلِ الكَمالِ: ﴿ومِنَ﴾ ويُمْكِنُ أنْ يَكُونَ حالًا مِن فاعِلِ الإشارَةِ. أيْ أُشِيرُ إلى آياتِ الكِتابِ الحَكِيمِ حالَ كَوْنِهِ هُدًى لِمَن ذَكَرَ والحالُ أنَّ مِن ﴿النّاسِ﴾ الَّذِينَ هم في أدْنى رُتْبَةِ الإحْساسِ، لَمْ يَصِلُوا إلى رُتْبَةِ أهْلِ الإيمانِ، فَضْلًا عَنْ مَقامِ أُولِي الإحْسانِ.
ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: مَن يَسِيرُ بِغَيْرِ هَذا السَّيْرِ، فَيَقْطَعُ نَفْسَهُ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ، عَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: ﴿مَن يَشْتَرِي﴾ [أيْ] غَيْرَ مُهْتَدٍ بِالكِتابِ ولا مَرْحُومٍ بِهِ ﴿لَهْوَ الحَدِيثِ﴾ أيْ ما يُلْهِي مِنَ الأشْياءِ المُتَجَدِّدَةِ الَّتِي تَسْتَلِذُّ فَيَقْطَعُ بِها الزَّمانَ مِنَ الغَناءِ والمُضْحِكاتِ وكُلِّ شَيْءٍ لا اعْتِبارَ فِيهِ، فَيُوصِلُ النَّفْسَ بِما أوْصَلَها إلَيْهِ مِنَ اللَّذَّةِ إلى مُجَرَّدِ الطَّبْعِ (p-١٤٧)البَهِيمِيِّ فَيَدْعُوها إلى العَبَثِ مِنَ اللَّعِبِ كالرَّقْصِ ونَحْوِهِ مُجْتَهِدًا في ذَلِكَ مُعْمِلًا الخَيْلَ في تَحْصِيلِهِ بِاشْتِراءِ سَبَبِهِ، مُعْرِضًا عَنِ اقْتِناصِ العُلُومِ وتَهْذِيبِ النَّفْسِ بِها عَنِ الهُمُومِ والغُمُومِ، فَيَنْزِلُ إلى أسْفَلِ سافِلِينَ كَما عَلا الَّذِي قَبْلَهُ بِالحِكْمَةِ إلى أعْلى عِلِّيِّينَ - قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: نَزَلَتْ في رَجُلٍ اشْتَرى جارِيَةً تُغَنِّيهِ لَيْلًا ونَهارًا، وقالَ مُجاهِدٌ: في شِرى القِيانِ والمُغَنِّينَ والمُغَنَّياتِ، وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ اللَّهْوُ الغِناءُ، وكَذا قالَ ابْنُ عَبّاسٍ وغَيْرُهُ.
ولَمّا كانَ مِنَ المَعْلُومِ أنَّ عاقِبَةَ هَذِهِ المَلاهِي الضَّلالُ، بِانْهِماكِ النَّفْسِ في ذَلِكَ، لِما طُبِعَتْ عَلَيْهِ مِنَ الشَّهْوَةِ لِمُطْلَقِ البِطالَةِ، فَكَيْفَ مَعَ ما يُثِيرُ ذَلِكَ ويَدْعُو إلَيْهِ مِنَ اللَّذاذَةِ، فَتَصِيرُ أسِيرَةَ الغَفْلَةِ عَنِ الذِّكْرِ، وقَبِيلَةَ الإعْراضِ عَنِ الفِكْرِ، وكانَ المُخاطَبُ بِهَذا الكِتابِ قَوْمًا يَدَّعُونَ العُقُولَ الفائِقَةَ، والأذْهانَ الصّافِيَةَ الرّائِقَةَ قالَ تَعالى: ﴿لِيُضِلَّ﴾ مِنَ الضَّلالِ والإضْلالِ عَلى القِراءَتَيْنِ، ضِدَّ ما كانَ عَلَيْهِ المُحْسِنُونَ مِنَ الهُدى (p-١٤٨)﴿عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أيِ الطَّرِيقِ الواضِحِ الواسِعِ المُوصِلِ إلى رِضى المَلِكِ الأعْلى المُسْتَجْمِعِ [لِصِفاتِ] الكَمالِ والجَلالِ والجَمالِ الَّتِي هم مُقِرُّونَ بِكَثِيرٍ مِنها، مُنَبِّهًا لَهم عَلى أنَّ هَذا مُضِلٌّ عَنِ السَّبِيلِ ولا بُدَّ، وأنَّ ذَلِكَ بِحَيْثُ لا يَخْفى عَلَيْهِمْ، فَإنْ كانَ مَقْصُودًا لَهم فَهو ما لا يَقْصِدُهُ مَن لَهُ عِدادٌ في البَشَرِ، وإلّا كانُوا مِنَ الغَفْلَةِ وسُوءِ النَّظَرِ وعَمى البَصِيرَةِ بِمَنزِلَةٍ هي دُونَ ذَلِكَ بِمَراحِلَ.
ولَمّا كانَ المُرادُ مِن قَصْدِ الضَّلالِ عَنِ الشَّيْءِ تَرْكَ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وكانَ العاقِلُ لا يُقْدِمُ عَلى تَرْكِ شَيْءٍ إلّا وهو عالِمٌ بِأنَّهُ لا خَيْرَ فِيهِ قالَ: ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ ونَكَّرَهُ لِيُفِيدَ السَّلْبَ العامَّ لِكُلِّ نَوْعٍ مِن أنْواعِ العِلْمِ، أيْ لِأنَّهم لا عِلْمَ لَهم بِشَيْءٍ مِن حالِ السَّبِيلِ ولا حالِ غَيْرِها، عِلْمًا يَسْتَحِقُّ إطْلاقَ العِلْمِ عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ يُفِيدُ رِبْحًا أوْ يُبْقِي عَلى رَأْسِ مالٍ مِن دِينٍ أوْ دُنْيا، فَإنَّ هَذا حالُ مَنِ اسْتَبْدَلَ الباطِلَ بِالحَقِّ والضَّلالَ بِالهُدى.
ولَمّا كانَ المُسْتَهْزِئُ بِالشَّيْءِ المُحْتَقِرُ لَهُ لا يَتَمَكَّنُ مِن ذَلِكَ إلّا بَعْدَ الخِبْرَةِ التّامَّةِ بِحالِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وأنَّهُ لا يَصْلُحُ لِصالِحِهِ ولا يُرَوَّجُ لَهُ حالٌ بِحالٍ قالَ مُعَجِّبًا تَعْجِيبًا آخَرَ أشَدَّ مِنَ الأوَّلِ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلى ”يَضِلُّ“ (p-١٤٩)فِي قِراءَةِ حَمْزَةَ والكِسائِيِّ وحَفْصٍ عَنْ عاصِمٍ، وبِالرَّفْعِ لِلْباقِينَ عَطْفًا عَلى ﴿يَشْتَرِي﴾ ﴿ويَتَّخِذَها﴾ أيْ يُكَلِّفُ نَفْسَهُ ضِدَّ ما تَدْعُوهُ إلَيْهِ فِطْرَتُهُ [الأُولى] أنْ يَأْخُذَ السَّبِيلَ الَّتِي لا أشْرَفُ مِنها مَعَ ما ثَبَتَ لَهُ مِنَ الجَهْلِ المُطْلَقِ ﴿هُزُوًا﴾
ولَمّا أنْتَجَ لَهُ هَذا الفِعْلُ الشَّقاءَ الدّائِمَ. بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ، جامِعًا حَمْلًا عَلى مَعْنى ”مِن“ بَعْدَ أنْ أفْرَدَ حَمْلًا عَلى لَفْظِها، لِأنَّ الجَمْعَ في مَقامِ الجَزاءِ أهْوَلُ، والتَّعْجِيبُ مِنَ الواحِدِ أبْلَغُ ﴿أُولَئِكَ﴾ أيِ الأغْبِياءُ البَعِيدُونَ عَنْ رُتْبَةِ الإنْسانِ، وتَهَكَّمَ بِهِمُ التَّعْبِيرُ بِاللّامِ المَوْضُوعَةِ لِما يُلائِمُ فَقالَ: ﴿لَهم عَذابٌ مُهِينٌ﴾ أيْ يَثْبُتُ لَهُمُ الخِزْيُ الدّائِمُ ضِدَّ ما كانَ لِلْمُحْسِنِينَ مِنَ الرَّحْمَةِ.
{"ayah":"وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَشۡتَرِی لَهۡوَ ٱلۡحَدِیثِ لِیُضِلَّ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِ بِغَیۡرِ عِلۡمࣲ وَیَتَّخِذَهَا هُزُوًاۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ عَذَابࣱ مُّهِینࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











