الباحث القرآني

ولَمّا خَتَمَ بِهاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ بَعْدَ إثْباتِ القُدْرَةِ عَلى الإبْداعِ مِن غَيْرِ انْتِهاءٍ، ذَكَرَ بَعْضَ آثارِهِما في البَعْثِ الَّذِي تَقَدَّمَ أوَّلَ السُّورَةِ وأثْناءَها ذَكَرَهُ إلى حَذَرِهِمْ بِهِ في قَوْلِهِ ”إلَيْنا مَرْجِعُهُمْ“ فَقالَ: ﴿ما خَلْقُكُمْ﴾ أيْ كُلِّكم في عِزَّتِهِ وحِكْمَتِهِ إلّا كَخَلْقِ نَفْسٍ واحِدَةٍ، وأعادَ النّافِيَ نَصًّا عَلى كُلِّ واحِدٍ مِنَ الخَلْقِ والبَعْثِ عَلى حِدَتِهِ فَقالَ: ﴿ولا بَعْثُكُمْ﴾ كُلِّكم ﴿إلا كَنَفْسٍ﴾ أيْ كَبَعْثِ نَفْسٍ، وبَيَّنَ الأفْرادَ تَحْقِيقًا لِلْمُرادِ، وتَأْكِيدًا لِلسُّهُولَةِ فَقالَ: ﴿واحِدَةٍ﴾ فَإنَّ كَلِماتِهِ مَعَ كَوْنِها غَيْرَ نافِدَةٍ نافِذَةٌ، وقُدْرَتَهُ مَعَ كَوْنِها باقِيَةً بالِغَةٌ، فَنِسْبَةُ القَلِيلِ والكَثِيرِ إلى قُدْرَتِهِ عَلى حَدٍّ سَواءٍ، لِأنَّهُ لا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ، ثُمَّ دَلَّ عَلى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مُؤَكِّدًا لِأنَّ تَكْذِيبَهم لِرَسُولِهِ ورَدَّهم لِما شَرَّفَهم بِهِ يَتَضَمَّنُ الإنْكارَ لِأنْ يَكُونُوا بِمَرْأًى مِنهُ (p-١٩٩)ومَسْمَعٍ: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾ أيِ المَلِكَ الأعْلى الَّذِي لَهُ الإحاطَةُ الشّامِلَةُ ﴿سَمِيعٌ﴾ أيْ بالِغُ السَّمْعِ يَسْمَعُ كُلَّ ما يُمْكِنُ سَمْعُهُ مِنَ المَعانِي في آنٍ واحِدٍ لا يَشْغَلُهُ شَيْءٌ مِنها عَنْ غَيْرِهِ ﴿بَصِيرٌ﴾ بَلِيغُ البَصَرِ يُبْصِرُ كَذَلِكَ كُلَّ ما يُمْكِنُ أنْ يُرى مِنَ الأعْيانِ والمَعانِي، ومَن كانَ كَذَلِكَ كانَ المُحِيطَ العِلْمِ بالِغَهُ شامِلَ القُدْرَةِ تامَّها، فَهو يُبْصِرُ جَمِيعَ الأجْزاءِ مِن كُلِّ مَيِّتٍ، ويَسْمَعُ كُلَّ ما يُسْمَعُ مِن مَعانِيهِ، فَهو بِإحاطَةِ عِلْمِهِ وشُمُولِ قُدْرَتِهِ يَجْمَعُ تِلْكَ الأجْزاءَ، ويُمَيِّزُ بَعْضَها مِن بَعْضٍ، ويُودِعُها تِلْكَ المَعانِي، فَإذا هي أنْفَسَ قائِمَةً كَما كانَتْ أوَّلَ مَرَّةٍ في أسْرَعِ مِن لَمْحِ البَصَرِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب