الباحث القرآني

(p-١٩٠)ولَمّا ذَكَرَ المُسْلِمَ ذَكَرَ الكافِرَ فَقالَ: ﴿ومَن كَفَرَ﴾ أيْ سَتَرَ ما أدّاهُ إلَيْهِ عَقْلُهُ مِن أنَّ اللَّهَ لا شَرِيكَ لَهُ، وأنَّهُ لا قُدْرَةَ [أصْلًا] لِأحَدٍ سِواهُ، ولَمْ يُسْلِمْ وجْهَهُ إلَيْهِ، فَتَكَبَّرَ عَلى الدُّعاةِ وأبى أنْ يَنْقادَ لَهُمْ، اتِّباعًا لِما قادَهُ إلَيْهِ الهَوى. بِأنْ جَعَلَ لِنَفْسِهِ اخْتِيارًا وعَمَلًا فِعْلَ القَوِيِّ القادِرِ، فَقَدْ ألْقى نَفْسَهُ في كُلِّ هَلَكَةٍ لِكَوْنِهِ لَمْ يَتَمَسَّكْ بِشَيْءٍ ﴿فَلا يَحْزُنْكَ﴾ أيْ يُهِمَّكَ ويُوجِعْكَ، وأفْرَدَ الضَّمِيرَ بِاعْتِبارِ لَفْظِ مَن لِإرادَةِ التَّنْصِيصِ عَلى كُلِّ فَرْدٍ فَقالَ: ﴿كُفْرُهُ﴾ كائِنًا مَن كانَ فَإنَّهُ لَمْ يَفُتْكَ شَيْءٌ فِيهِ خَيْرٌ ولا مُعْجِزَ لَنا لِيَحْزُنَكَ، ولا تَبِعَةَ عَلَيْكَ بِسَبَبِهِ، وفي التَّعْبِيرِ هُنا بِالماضِي وفي الأوَّلِ بِالمُضارِعِ بِشارَةٌ بِدُخُولِ كَثِيرٍ في هَذا الدِّينِ، وأنَّهم لا يَرْتَدُّونَ بَعْدَ إسْلامِهِمْ، وتَرْغِيبٌ في الإسْلامِ لِكُلِّ مَن كانَ خارِجًا عَنْهُ، فالآيَةُ مِنَ الِاحْتِباكِ: ذَكَرَ الحُزْنَ ثانِيًا دَلِيلًا عَلى حَذْفِ ضِدِّهِ أوَّلًا، وذَكَرَ الِاسْتِمْساكَ أوَّلًا دَلِيلًا عَلى حَذْفِ ضِدِّهِ ثانِيًا. ولَمّا كانَ الحُزْنُ بِمَعْنى الهَمِّ، حَسُنَ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ التِفاتًا إلى مَظْهَرِ العَظَمَةِ الَّتِي هَذا مِن أخْفى مَواضِعِها، وجَمَعَ لِأنَّ الإحاطَةَ بِالجَمْعِ أدَلُّ عَلى العَظَمَةِ: ﴿إلَيْنا﴾ أيْ خاصَّةً بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ الَّتِي لا تَثْبُتُ لَها الجِبالُ (p-١٩١)﴿مَرْجِعُهُمْ﴾ أيْ رُجُوعُهم وزَمانُهُ ومَكانُهُ أيْ مَعْنًى في الدُّنْيا وحِسًّا يَوْمَ الحِسابِ، لا إلى غَيْرِنا، ولَمّا بَيَّنَ أنَّهم في قَبْضَتِهِ، وأنَّهُ لا بُدَّ مِن بَعْثِهِمْ، بَيَّنَ أنَّ السَّبَبَ في ذَلِكَ حِسابُهم لِتَظْهَرَ الحِكْمَةُ [فَقالَ]: ﴿فَنُنَبِّئُهُمْ﴾ بِسَبَبِ إحاطَتِنا بِأمْرِهِمْ وعَقِبَ رُجُوعِهِمْ ﴿بِما عَمِلُوا﴾ أيْ ونُجازِيهِمْ عَلَيْهِ إنْ أرَدْنا. ولَمّا كانَ مَعْنى التَّضْعِيفِ: نَفْعَلُ مَعَهم فِعْلَ مُنَقِّبٍ عَنِ الأُمُورِ مُفَتِّشٍ عَلى جَلِيِّها وخَفِيِّها، جَلِيلِها ودَقِيقِها، فَلا نَذَرُ شَيْئًا مِنها، عَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ مُعَبِّرًا بِالِاسْمِ [الأعْظَمِ] المُفْهِمِ لِلْعَظَمَةِ وغَيْرِها مِن صِفاتِ الكَمالِ الَّتِي مِن أعْظَمِها العِلْمُ، لَفْتًا لِلْكَلامِ عَنِ العَظَمَةِ الَّتِي لا تَدُلُّ عَلى غَيْرِها إلّا بِاللُّزُومِ، مُؤَكِّدًا لِإنْكارِهِمْ شُمُولَ عِلْمِهِ ﴿إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ﴾ أيْ مُحِيطُ العِلْمِ بِما لَهُ مِنَ الإحاطَةِ بِأوْصافِ الكَمالِ ﴿بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ أيْ بِالأعْمالِ الَّتِي هي صاحِبَتُها، ومُضْمَرَةٌ ومُودَعَةٌ فِيها، فَناشِئَةٌ عَنْها ومِن قَبْلِ أنْ تَبْرُزَ إلى الوُجُودِ، فَكَيْفَ بِذَلِكَ بَعْدَ عَمَلِها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب