الباحث القرآني
ولَمّا نَبَّهَهُ عَلى إحاطَةِ عِلْمِهِ سُبْحانَهُ وإقامَتِهِ لِلْحِسابِ، أمَرَهُ مِمّا يَدَّخِرُهُ لِذَلِكَ تَوَسُّلًا إلَيْهِ، وتَخَضُّعًا لَدَيْهِ، وهو رَأْسُ ما يَصْلُحُ بِهِ العَمَلُ ويُصَحِّحُ التَّوْحِيدَ ويُصَدِّقُهُ، فَقالَ: ﴿يا بُنَيَّ﴾ مُكَرِّرًا لِلْمُناداةِ عَلى هَذا الوَجْهِ تَنْبِيهًا عَلى فَرْطِ النَّصِيحَةِ لِفَرْطِ الشَّفَقَةِ ﴿أقِمِ الصَّلاةَ﴾ أيْ بِجَمِيعِ حُدُودِها وشُرُوطِها ولا تَغْفُلْ عَنْها، سَعْيًا في نَجاةِ نَفْسِكَ وتَصْفِيَةِ سِرِّكَ، فَإنَّ إقامَتَها - وهي الإتْيانُ بِها عَلى النَّحْوِ المَرْضِيِّ - مانِعَةٌ مِنَ الخَلَلِ في العَمَلِ ﴿إنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الفَحْشاءِ والمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: ٤٥] لِأنَّها الإقْبالُ عَلى مَن وحَّدْتَهُ فاعْتَقَدْتَ أنَّهُ الفاعِلُ وحْدَهُ وأعْرَضْتَ عَنْ كُلِّ ما سِواهُ لِأنَّهُ في التَّحْقِيقِ عَدَمٌ، ولِهَذا الإقْبالِ والإعْراضِ كانَتْ ثانِيَةَ التَّوْحِيدِ، وتَرَكَ ذِكْرَ الزَّكاةِ تَنْبِيهًا عَلى أنَّ مِن حِكْمَتِهِ تَخَلِّيهِ وتَخَلِّي ولَدِهِ مِنَ الدُّنْيا حَتّى مِمّا يَكْفِيهِمْ لِقُوتِهِمْ.
ولَمّا أمَرَ بِتَكْمِيلِهِ في نَفْسِهِ بِتَكْمِيلِ نَفْسِهِ تَوْفِيَةً لِحَقِّ الحَقِّ، عَطَفَ عَلى ذَلِكَ تَكْمِيلَهُ لِنَفْسِهِ بِتَكْمِيلِ غَيْرِهِ تَوْفِيَةً لِحَقِّ الخَلْقِ، وذَلِكَ أنَّهُ لَمّا (p-١٧٤)كانَ النّاسُ في هَذِهِ الدّارِ سَفَرًا، وكانَ المُسافِرُ إنْ أهْمَلَ رَفِيقَهُ حَتّى أُخِذَ أوْشَكَ أنْ يُؤْخَذَ هُوَ، أمَرَهُ بِما يُكْمِلُ نَجاتَهُ بِتَكْمِيلِ رَفِيقِهِ، وقَدَّمَهُ - وإنْ كانَ مِن جَلْبِ المَصالِحِ - لِأنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ المُنْكِرِ، وأمّا تَرْكُ المُنْكِرِ فَلا يَسْتَلْزِمُ فِعْلَ الخَيْرِ، فَإنَّكَ إذا قُلْتَ: لا تَأْتِ مُنْكَرًا، لَمْ يَتَناوَلْ ذَلِكَ في العُرْفِ إلّا الكَفَّ عَنْ فِعْلِ المَعْصِيَةِ، لا فِعْلَ الطّاعَةِ، فَقالَ: ﴿وأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ﴾ أيْ كُلَّ مَن تَقْدِرُ عَلى أمْرِهِ تَهْذِيبًا لِغَيْرِكَ شَفَقَةً عَلى نَفْسِكَ بِتَخْلِيصِ أبْناءِ جِنْسِكَ.
ولَمّا كانَتْ هَذِهِ الدّارُ سَفِينَةً لِسَفَرِ مَن فِيها إلى رَبِّهِمْ، وكانَتِ المَعاصِي مُفْسِدَةً لَها، وكانَ فَسادُ السَّفِينَةِ مُغْرِقًا لِكُلِّ مَن فِيها: مَن أفْسَدَها ومَن أهْمَلَ المُفْسِدَ ولَمْ يَأْخُذْ عَلى يَدِهِ، وكانَ الأمْرُ بِالمَعْرُوفِ نَهْيًا عَنِ المُنْكَرِ، صَرَّحَ بِهِ فَقالَ: ﴿وانْهَ﴾ أيْ كُلَّ مَن قَدَرْتَ عَلى نَهْيِهِ ﴿عَنِ المُنْكَرِ﴾ حُبًّا لِأخِيكَ ما تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، تَحْقِيقًا لِنَصِيحَتِكَ، وتَكْمِيلًا لِعِبادَتِكَ، لِأنَّهُ ما عَبَدَ اللَّهَ أحَدٌ تَرَكَ غَيْرَهُ يَتَعَبَّدُ لِغَيْرِهِ، ومِن هَذا الطِّرازِ قَوْلُ أبِي الأسْوَدِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى:
؎ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فانْهَها عَنْ غَيِّها ∗∗∗ فَإذا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأنْتَ حَكِيمُ
لِأنَّهُ أمَرَهُ أوَّلًا بِالمَعْرُوفِ، وهو الصَّلاةُ النّاهِيَةُ عَنِ الفَحْشاءِ والمُنْكِرِ، فَإذا أمَرَ نَفْسَهُ ونَهاها، ناسَبَ أنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ ويَنْهاهُ، وهَذا وإنْ كانَ (p-١٧٥)مِن قَوْلِ لُقْمانَ عَلَيْهِ السَّلامُ إلّا أنَّهُ لَمّا كانَ في سِياقِ المَدْحِ لَهُ كُنّا مُخاطَبِينَ بِهِ.
ولَمّا كانَ القابِضُ عَلى دِينِهِ في غالِبِ الأزْمانِ كالقابِضِ عَلى الجَمْرِ، لِأنَّهُ يُخالِفُ المُعْظَمَ فَيَرْمُونَهُ عَنْ قَوْسٍ واحِدَةٍ لا سِيَّما إنْ أمَرَهم ونَهاهُمْ، قالَ تَعالى: ﴿واصْبِرْ﴾ صَبْرًا عَظِيمًا بِحَيْثُ يَكُونُ مُسْتَعْلِيًا ﴿عَلى ما﴾ أيِ الَّذِي، وحَقَّقَ بِالماضِي أنَّهُ لا بُدَّ مِنَ المُصِيبَةِ لِيَكُونَ الإنْسانُ عَلى بَصِيرَةٍ، فَقالَ: ﴿أصابَكَ﴾ أيْ في عِبادَتِكَ مِنَ الأمْرِ بِالمَعْرُوفِ وغَيْرِهِ سَواءٌ كانَ بِواسِطَةِ العِبادِ أوْ لا كالمَرَضِ ونَحْوِهِ، وقَدْ بَدَأ هَذِهِ الوَصِيَّةَ بِالصَّلاةِ وخَتَمَها بِالصَّبْرِ لِأنَّها مِلاكُ الِاسْتِعانَةِ
﴿واسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ﴾ [البقرة: ٤٥] واخْتِلافُ المُخاطَبِ في المَوْضِعَيْنِ أوَجَبَ اخْتِلافَ التَّرْتِيبَيْنِ، المُخاطَبُ هَنا مُؤْمِنٌ مُتَقَلِّلٌ، وهُناكَ كافِرٌ مُتَكَثِّرٌ.
ولَمّا كانَ ما أحْكَمَهُ لَهُ عَظِيمُ الجَدْوى، وجَعَلَ خِتامَهُ الصَّبْرَ الَّذِي هو مِلاكُ الأعْمالِ والتُّرُوكِ كُلِّها، نَبَّهَهُ عَلى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَلى سَبِيلِ التَّعْلِيلِ والِاسْتِئْنافِ إيماءً إلى التَّبْجِيلِ: ﴿إنَّ ذَلِكَ﴾ أيِ الأمْرَ العَظِيمَ الَّذِي أوْصَيْتُكَ بِهِ لا سِيَّما الصَّبْرُ عَلى المَصائِبِ: ﴿مِن عَزْمِ الأُمُورِ﴾ أيْ (p-١٧٦)مَعْزُوماتِها، تَسْمِيَةً لِاسْمِ المَفْعُولِ أوِ الفاعِلِ بِالمَصْدَرِ، أيِ الأُمُورُ المَقْطُوعُ بِها المَفْرُوضَةُ أوِ القاطِعَةُ الجازِمَةُ بِجَزْمِ فاعِلِها، أيِ الَّتِي هي أهْلٌ لِأنْ يَعْزِمَ عَلَيْها العازِمُ، ويَنْحُوَ إلَيْها بِكُلِّيَّتِهِ الجازِمُ، فَلا مَندُوحَةَ في تَرْكِها بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ في مِلَّةٍ مِنَ المِلَلِ.
{"ayah":"یَـٰبُنَیَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَاۤ أَصَابَكَۖ إِنَّ ذَ ٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











