الباحث القرآني

ولَمّا كانَ الإنْسانُ لا يَعْرِفُ حِكْمَةَ الحَكِيمِ إلّا بِأقْوالِهِ وأفْعالِهِ، ولا صِدْقَ الكَلامِ [وحِكْمَتَهُ] إلّا بِمُطابَقَتِهِ لِلْواقِعِ، فَكانَ التَّقْدِيرُ: اذْكُرْ ما وصَفْنا بِهِ لُقْمانَ لِتَنْزِلَ عَلَيْهِ ما تَسْمَعُ مِن أحْوالِهِ وأفْعالِهِ في تَوْفِيَةِ حَقِّ اللَّهِ وحَقِّ الخَلْقِ الَّذِي هو مَدارُ الحِكْمَةِ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿وإذْ﴾ (p-١٦١)أيْ واذْكُرْ بِقَلْبِكَ لِتَتَّعِظَ وبِلِسانِكَ لِتَعِظَ غَيْرَكَ - بِما أنَّكَ رَسُولٌ - ما كانَ حِينَ ﴿قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ﴾ ما يَدُلُّ عَلى شُكْرِهِ في نَفْسِهِ وأمْرِهِ بِهِ لِغَيْرِهِ فَإنَّهُ لا شُكْرَ يَعْدِلُ البَراءَةَ مِنَ الشِّرْكِ، وفِيهِ حَثٌّ عَلى التَّخَلُّقِ بِما مُدِحَ بِهِ لُقْمانُ بِما يَحْمِلُ عَلى الصَّبْرِ والشُّكْرِ والمُداوَمَةِ عَلى كُلِّ خَيْرٍ، وعَلى تَأْدِيبِ الوَلَدِ، بِسَوْقِ الكَلامِ عَلى وجْهٍ يَدُلُّ عَلى تَكْرِيرِ وعْظِهِ فَقالَ: ﴿وهُوَ يَعِظُهُ﴾ أيْ يُوصِيهِ بِما يَنْفَعُهُ ويُرَقِّقُ قَلْبَهُ ويُهَذِّبُ نَفْسَهُ، ويُوجِبُ لَهُ الخَشْيَةَ والعَدْلَ. ولَمّا كانَ أصْلُ تَوْفِيَةِ حَقِّ الحَقِّ تَصْحِيحَ الِاعْتِقادِ وإصْلاحَ العَمَلِ، وكانَ الأوَّلُ أهَمَّ، قَدَّمَهُ فَقالَ: ﴿يا بُنَيَّ﴾ فَخاطَبَهُ بِأحَبِّ ما يُخاطَبُ بِهِ، مَعَ إظْهارِ التَّرَحُّمِ والتَّحَنُّنِ والشَّفَقَةِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ أدْعى لِقَبُولِ النُّصْحِ ﴿لا تُشْرِكْ﴾ أيْ [لا] تُوقِعِ الشِّرْكَ لا جَلْيًّا ولا خَفِيًّا، ولَمّا كانَ في تَصْغِيرِهِ الإشْفاقُ عَلَيْهِ، زادَ ذَلِكَ بِإبْرازِ الِاسْمِ الأعْظَمِ المُوجِبِ لِاسْتِحْضارِ جَمِيعِ الجَلالِ، تَحْقِيقًا لِمَزِيدِ الإشْفاقِ. فَقالَ: ﴿بِاللَّهِ﴾ أيِ المَلِكِ الأعْظَمِ الَّذِي لا كُفُؤَ لَهُ، ثُمَّ عَلَّلَ هَذا النَّهْيَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ الشِّرْكَ﴾ أيْ بِنَوْعَيْهِ ﴿لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ أيْ فَهو ضِدُّ الحِكْمَةِ، لِأنَّهُ وضْعُ الشَّيْءِ في غَيْرِ مَحَلِّهِ، فَظُلْمُهُ ظاهِرٌ مِن جِهاتٍ عَدِيدَةٍ جِدًّا، أظْهَرُها أنَّهُ تَسْوِيَةُ المَمْلُوكِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مِن ذاتِهِ إلّا العَدَمُ نِعْمَةً مِنهُ أصْلًا بِالمالِكِ الَّذِي لَهُ وُجُوبُ (p-١٦٢)الوُجُودِ، فَلا خَيْرَ ولا نِعْمَةَ إلّا مِنهُ، وفي هَذا تَنْبِيهٌ لِقُرَيْشٍ وكُلِّ سامِعٍ عَلى أنَّ هَذِهِ وصِيَّةٌ لا يُعْدَلُ عَنْها، لِأنَّها مِن أبٍ حَكِيمٍ لِابْنٍ مَحْنُوٍّ عَلَيْهِ مَحْبُوبٍ، وأنَّ آباءَهم لَوْ كانُوا حُكَماءَ ما فَعَلُوا إلّا ذَلِكَ، لِأنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْها ما عَلَيْهِ مَدارُ النِّعَمِ الظّاهِرَةِ والباطِنَةِ الدِّينِيَّةِ والدُّنْيَوِيَّةِ، العاجِلَةِ والآجِلَةِ، وهو الأمْنُ والهِدايَةُ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمانَهم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وهم مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام: ٨٢] فَإنَّهُ «لَمّا نَزَلَتْ تِلْكَ الآيَةُ كَما في صَحِيحِ البُخارِيِّ في غَيْرِ مَوْضِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَقَّ ذَلِكَ عَلى الصَّحابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم فَقالُوا: أيُّنا لَمْ يَلْبِسْ إيمانَهُ بِظُلْمٍ؟ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”إنَّهُ لَيْسَ بِذاكَ، ألَمْ تَسْمَعْ إلى قَوْلِ لُقْمانَ ﴿إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾“» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب