الباحث القرآني

ولَمّا خَتَمَ بِصِفَتَيِ العِزَّةِ - وهي غايَةُ القُدْرَةِ - والحِكْمَةِ - وهي ثَمَرَةُ العِلْمِ - دَلَّ عَلَيْها بِإتْقانِ أفْعالِهِ وإحْكامِها فَقالَ: ﴿خَلَقَ السَّماواتِ﴾ أيْ عَلى عُلُوِّها وكِبَرِها وضَخامَتِها ﴿بِغَيْرِ عَمَدٍ﴾ وقَوْلُهُ: ﴿تَرَوْنَها﴾ دالٌّ عَلى الحِكْمَةِ، إنْ قُلْنا إنَّهُ صِفَةٌ لِعَمَدٍ أوِ اسْتِئْنافٌ، أمّا إنْ قُلْنا بِالثّانِي فَلِكَوْنِ مِثْلِ هَذا الخَلْقِ الكَبِيرِ الواسِعِ يَحْمِلُ بِمَحْضِ القُدْرَةِ، وإنْ قُلْنا بِالأوَّلِ فَتَرْكِيبُ مِثْلِهِ عَلى عَمَدٍ تَكُونُ في العادَةِ حامِلَةً لَهُ وهي مَعَ ذَلِكَ بِحَيْثُ لا تُرى أدْخَلُ في الحِكْمَةِ وأدَقُّ في اللَّطافَةِ والعَظَمَةِ، لِأنَّهُ (p-١٥٣)يَحْتاجُ إلى عَمَلَيْنِ: تَخْفِيفِ الكَثِيفِ وتَقْوِيَةِ اللَّطِيفِ. ولَمّا ذَكَرَ العَمَدَ المُقِلَّةِ، أتْبَعَهُ الأوْتادَ المُقِرَّةَ فَقالَ: ﴿وألْقى في الأرْضِ﴾ أيِ الَّتِي أنْتُمْ عَلَيْها، جِبالًا ﴿رَواسِيَ﴾ والعَجَبُ مِن فَوْقِها وجَمِيعُ الرَّواسِي الَّتِي تَعْرِفُونَها تَكُونُ مِن تَحْتٍ، تُثَبِّتُها عَنْ ﴿أنْ تَمِيدَ﴾ أيْ تَتَمايَلَ مُضْطَرِبَةً ﴿بِكُمْ﴾ كَما هو شَأْنُ ما عَلى ظَهْرِ الماءِ. ولَمّا ذَكَرَ إيجادَها وإصْلاحَها لِلِاسْتِقْرارِ. ذَكَرَ ما خُلِقَتْ لَهُ مِنَ الحَيَوانِ فَقالَ: ﴿وبَثَّ فِيها﴾ أيْ فَرَّقَ ﴿مِن كُلِّ دابَّةٍ﴾ ولَمّا ذَكَرَ ذَلِكَ ذَكَرَ ما يَعِيشُ بِهِ، فَقالَ مُنَبِّهًا لِمَظْهَرِ العَظَمَةِ عَلى أنَّ ذَلِكَ وإنْ كانَ لَهم في بَعْضِهِ تَسَبُّبٌ لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلّا هو سُبْحانَهُ: ﴿وأنْـزَلْنا﴾ أيْ بِما لَنا مِنَ العِزَّةِ اللّازِمَةِ لِلْقُدْرَةِ، وقَدَّمَ ما لا قُدْرَةَ لِمَخْلُوقٍ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ فَقالَ: ﴿مِنَ السَّماءِ ماءً﴾ ولَمّا تَسَبَّبَ عَنْ ذَلِكَ تَدْبِيرُ الأقْواتِ، وكانَ مِن آثارِ الحِكْمَةِ التّابِعَةِ لِلْعَمَلِ، دَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿فَأنْبَتْنا﴾ أيْ بِما لَنا مِنَ العُلُوِّ في الحِكْمَةِ ﴿فِيها﴾ أيِ الأرْضِ بِخَلْطِ الماءِ بِتُرابِها ﴿مِن كُلِّ زَوْجٍ﴾ أيْ صِنْفٍ مِنَ النَّباتِ مُتَشابِهٍ ﴿كَرِيمٍ﴾ بِما لَهُ مِنَ البَهْجَةِ والنَّضْرَةِ الجالِبَةِ لِلسُّرُورِ والمَنفَعَةِ والكَثْرَةِ الحافِظَةِ لِتِلْكَ الدَّوابِّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب