الباحث القرآني
ولَمّا أقامَ عَلَيْهِمُ الدَّلِيلَ، أتْبَعَهُ التَّهْدِيدَ والتَّهْوِيلَ، فَقالَ عاطِفًا عَلى ”أوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا“: ﴿أوَلَمْ يَسِيرُوا﴾ ولَمّا أحاطَتْ آثارُ المُكَذِّبِينَ بِمَكَّةَ المُشَرَّفَةِ شَرْقًا وغَرْبًا، وجَنُوبًا وشَمالًا، بِدِيارِ ثَمُودَ وقَوْمِ فِرْعَوْنَ وعادٍ وسَبَأٍ وقَوْمِ لُوطٍ، عَرَّفَ وأطْلَقَ فَقالَ: ﴿فِي الأرْضِ﴾ [أيْ] سَيْرَ اعْتِبارٍ وتَأمُّلٍ وادِّكارٍ مِن أيِّ جِهَةٍ أرادُوا، وفِيهِ إشارَةٌ إلى أنَّهم واقِفُونَ عِنْدَ النَّظَرِ في ظاهِرِ المُلْكِ بِأبْصارِهِمْ، قاصِرُونَ عَنِ الِاعْتِبارِ في باطِنِ المَلَكُوتِ بِأفْكارِهِمْ، وفِيهِ هَزٌّ لَهم إلى امْتِطاءِ هَذِهِ الدَّرَجَةِ العَلِيَّةِ، بِهَذِهِ العِبارَةِ الجَلِيَّةِ ﴿فَيَنْظُرُوا﴾
ولَمّا كانَ ما حَلَّ بِالماضِينَ أمْرًا عَظِيمًا، نَبَّهَ عَلى عِظَمِهِ بِأنَّهُ أهْلٌ لِأنْ يُسْألَ عَنْهُ فَقالَ: ﴿كَيْفَ كانَ﴾ أيْ كَوْنًا لا قُدْرَةَ عَلى الِانْفِكاكِ عَنْهُ، (p-٥١)وتَذْكِيرُ العَمَلِ يُشِيرُ إلى عِظَمِ الأمْرِ ﴿عاقِبَةُ﴾ أيْ آخِرُ أمْرِ ﴿الَّذِينَ﴾ ولَمّا كانَ حالُ مَن قَرُبَ مِن زَمانِ الإنْسانِ أوْعَظَ لَهُ، أثْبَتَ الجارَّ فَقالَ: ﴿مِن قَبْلِهِمْ﴾ في إهْلاكِ العاصِي وإنْجاءِ الطّائِعِ، ولَمّا كانَ عِلْمُ العاقِبَةِ مَشْرُوطًا بِمَعْرِفَةِ البادِئَةِ قالَ مُسْتَأْنِفًا: ﴿كانُوا﴾ أيْ كَوْنًا هو في غايَةِ المُكْنَةِ.
[ولَمّا كانَ السِّياقُ لِلظُّهُورِ والغَلَبَةِ الَّتِي إنَّما مَدارُها عَلى الشِّدَّةِ المُقْتَضِيَةِ لِلثَّباتِ، لا الكَثْرَةِ العارِيَةِ عَنْها، أعْرَضَ عَنْها وقالَ مُسْقِطًا ضَمِيرَ الفَصْلِ لِأنَّ هَذا السِّياقَ لا يَظْهَرُ فِيهِ ادِّعاءُ العَرَبِ لِعُلُوِّهِمْ عَلى فارِسَ ولا الرُّومِ]: ﴿أشَدَّ مِنهُمْ﴾ أيْ مِنَ العَرَبِ ﴿قُوَّةً﴾ أيْ في أبْدانِهِمْ وعُقُولِهِمْ، ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: فَنَقَّبُوا الجِبالَ، وعَمِلَوْا مِن مُتْقَنِ الصَّنائِعِ الَّتِي تَرَوْنَها مِنَ الأعْمالِ ما لَمْ يُدانِيهِ أحَدٌ مِنَ الأجْيالِ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿وأثارُوا﴾ بِالحَرْثِ وغَيْرِهِ ﴿الأرْضِ﴾ فَأخْرَجُوا ما فِيها مِنَ المَنافِعِ مِنَ المِياهِ والمَعادِنِ والزُّرُوعِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ المَعادِنِ ﴿وعَمَرُوها﴾ أيْ أُولَئِكَ السّالِفُونَ ﴿أكْثَرَ مِمّا عَمَرُوها﴾ أيْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ أُرْسِلْتَ إلَيْهِمْ، بَلْ لَيْسَ لَهم مِن إثارَةِ الأرْضِ وعِمارَتِها كَبِيرُ أمْرٍ، فَإنَّ بِلادَ العَرَبِ إنَّما هي جِبالٌ سُودٌ وفَيافِي غُبْرٌ، فَما هو إلّا تَهَكُّمٌ بِهِمْ، وبَيانٌ لِضَعْفِ حالِهِمْ في دُنْياهُمُ الَّتِي لا فَخْرَ لَهم بِغَيْرِها.
(p-٥٢)ولَمّا كانُوا قَدْ وقَفُوا مِثْلَ هَؤُلاءِ مَعَ السَّبَبِ الأدْنى، ولَمْ يَرْتَقُوا بِعُقُولِهِمْ إلى المَطْلُوبِ الأعْلى، أخْبَرَ أنَّهُ أرْسَلَ إلَيْهِمُ الدُّعاةَ يُنَبِّهُونَهم مِن رَقْدَتِهِمْ، ويُنْقِذُونَهم مِن غَفْلَتِهِمْ، فَكانَ التَّقْدِيرُ: فَضَلُّوا عَنِ المَنهَجِ الواضِحِ، وعَمُوا عَنِ السَّبِيلِ الرَّحْبِ، وزاغُوا عَنْ طَرِيقِ الرَّبِّ، فَأرْسَلْنا إلَيْهِمُ الرُّسُلَ، فَعَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ مُشِيرًا بِتَأْنِيثِ الفِعْلِ إلى ضَعْفِ عُقُولِهِمْ بِتَكْذِيبِهِمُ الرُّسُلَ كَما تَقَدَّمَ إيضاحُهُ عِنْدَ ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ﴾ [البقرة: ٢٥٣] ﴿وجاءَتْهم رُسُلُهُمْ﴾ أيْ عَنّا ﴿بِالبَيِّناتِ﴾ مِنَ المُعْجِزاتِ مِثْلُ ما أتاكم بِهِ رَسُولُنا مِن وُعُودِنا السّابِقَةِ، وأُمُورِنا الخارِقَةِ، كَأمْرِ الإسْراءِ وما أظْهَرَ فِيهِ مِنَ الغَرائِبِ كالإخْبارِ بِأنَّ العِيرَ تَقْدُمُ في يَوْمِ كَذا يَقْدُمُها جَمَلٌ صِفَتُهُ كَذا وغَرائِرُهُ كَذا، فَظَهَرَ كَذَلِكَ، وما آمَنتُمْ كَما لَمْ يُؤْمَن مَن كانَ أشَدَّ مِنكم قُوَّةً ﴿فَما﴾ أيْ بِسَبَبِ أنَّهُ ما ﴿كانَ اللَّهُ﴾ عَلى ما لَهُ مِن أوْصافِ الكَمالِ مُرِيدًا ﴿لِيَظْلِمَهُمْ﴾ بِأنْ يَفْعَلَ مَعَهم فِعْلَ مَن تَعُدُّونَهُ أنْتُمْ ظالِمًا بِأنْ يُهْلِكَهم في الدُّنْيا ثُمَّ يَقْتَصُّ مِنهم في القِيامَةِ قَبْلَ إقامَةِ الحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِإرْسالِ الرُّسُلِ بِالبَيِّناتِ ﴿ولَكِنْ كانُوا﴾ بِغايَةِ جُهْدِهِمْ ﴿أنْفُسَهُمْ﴾ أيْ خاصَّةً ﴿يَظْلِمُونَ﴾ أيْ يُجَدِّدُونَ الظُّلْمَ لَها بِإيقاعِ الضُّرِّ مَوْقِعَ جَلْبِ النَّفْعِ، لِأنَّهم لا يَعْتَبِرُونَ بِعُقُولِهِمُ الَّتِي رَكَّبْناها فِيهِمْ لِيَسْتَضِيئُوا بِها فَيَعْلَمُوا الحَقَّ مِنَ الباطِلِ، ولا يَقْبَلُونَ مِنَ الهُداةِ إذا كَشَفُوا لَهم ما عَلَيْها مِنَ الغِطاءِ، ولا يَرْجِعُونَ (p-٥٣)عَنِ الغَيِّ إذا اضْطَرُّوهم بِالآياتِ الباهِراتِ، بَلْ يَنْتَقِلُونَ مِنَ الغَفْلَةِ إلى العِنادِ.
{"ayah":"أَوَلَمۡ یَسِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَیَنظُرُوا۟ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُوۤا۟ أَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةࣰ وَأَثَارُوا۟ ٱلۡأَرۡضَ وَعَمَرُوهَاۤ أَكۡثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاۤءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِۖ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیَظۡلِمَهُمۡ وَلَـٰكِن كَانُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ یَظۡلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











