الباحث القرآني
ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: أفَلَمْ يَتَدَبَّرُوا القُرْآنَ وما كَشَفَ لَهم عَنْهُ مِنَ الحِكَمِ والأُمُورِ الَّتِي وعَدَ اللَّهُ بِها عَلى لِسانِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ فِيهِ أوْ في السُّنَّةِ، فَكانَتْ عَلى حَسَبِ ما وعَدَ، أوْ لَمْ يَتَأمَّلُوا مَصْنُوعاتِ اللَّهِ عُمُومًا فَتَدُلَّهم عُقُولُهم مِنها عَلى أنَّهُ لا يَصْلُحُ لِلْإلَهِيَّةِ إلّا مَن كانَ حَكِيمًا، ولا يَكُونُ حَكِيمًا إلّا مَن صَدَقَ في وعْدِهِ، وأنَّهُ لا تَتِمُّ الحِكْمَةُ إلّا بِإيجادِ الآخِرَةِ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ مُوَبِّخًا لَهُمْ: ﴿أوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا﴾ أيْ يَجْتَهِدُوا في إعْمالِ الفِكْرِ، ثُمَّ ذَكَرَ آلَةَ الفِكْرِ زِيادَةً في تَصْوِيرِ حالِ المُتَفَكِّرِينَ والتَّذْكِيرِ بِهَيْئَةِ المُعْتَبِرِينَ فَقالَ: ﴿فِي أنْفُسِهِمْ﴾ ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ هي المُتَفَكَّرَ فِيهِ فَيَكُونُ المَعْنى: يَتَفَكَّرُوا في أحْوالِها خُصُوصًا فَيَعْلَمُوا أنَّ مَن كانَ مِنهم قادِرًا كامِلًا لا يُخْلِفُ وعْدَهُ وهو إنْسانٌ ناقِصٌ، فَكَيْفَ بِالإلَهِ الحَقِّ، ويَعْلَمُوا [أنَّ] الَّذِي ساوى بَيْنَهم في الإيجادِ مِنَ العَدَمِ وطَوَّرَهم في أطْوارِ الصُّوَرِ، وفاوَتَ بَيْنَهم في القُوى والقَدْرِ، وبَيْنَ آجالِهِمْ في الطُّولِ والقِصَرِ، وسَلَّطَ بَعْضَهم عَلى بَعْضٍ بِأنْواعِ الضَّرَرِ، وأماتَ أكْثَرَهم مَظْلُومًا قَبْلَ القِصاصِ والظَّفَرِ، لا بُدَّ في حِكْمَتِهِ البالِغَةِ مِن جَمْعِهِمْ لِلْعَدْلِ بَيْنَهم في جَزاءِ مَن وفى أوْ غَدَرَ، أوْ شَكَرَ أوْ كَفَرَ، ثُمَّ ذَكَرَ نَتِيجَةَ ذَلِكَ وعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ في أُسْلُوبِ التَّأْكِيدِ لِأجْلِ إنْكارِهِمْ، وعَلى التَّقْدِيرِ (p-٤٨)الأوَّلِ يَكُونُ هَذا هو المُتَفَكَّرَ فِيهِ ﴿ما خَلَقَ اللَّهُ﴾ أيْ بِعِزِّ جَلالِهِ، وعُلُوِّهِ في كَمالِهِ ﴿السَّماواتِ والأرْضَ﴾ عَلى ما هُما عَلَيْهِ مِنَ النِّظامِ المُحْكَمِ، والقانُونِ المُتْقَنِ، وأفْرَدَ الأرْضَ لِعَدَمِ دَلِيلٍ حِسِّيٍّ أوْ عَقْلِيٍّ يَدُلُّهم عَلى تَعَدُّدِها بِخِلافِ السَّماءِ ﴿وما بَيْنَهُما﴾ مِنَ المَعانِي الَّتِي بِها كَمالُ مَنافِعِهِما ﴿إلا﴾ خَلْقًا مُتَلَبِّسًا ﴿بِالحَقِّ﴾ [أيِ] الأمْرِ الثّابِتِ الَّذِي يُطابِقُهُ الواقِعُ، فَإذا ذُكِرَ البَعْثُ الَّذِي هو مَبْدَأُهُ الآخِرَةُ الَّتِي هَذا أُسْلُوبُها وجَدَ الواقِعَ في تَصْوِيرِ النُّطَفِ ونَفْخِ الرُّوحِ وتَمْيِيزِ الصّالِحِ مِنها لِلتَّصْوِيرِ مِنَ الفاسِدِ يُطابِقُ ذَلِكَ، وإذا تَدَبَّرَ النَّباتَ بَعْدَ أنْ كانَ هَشِيمًا قَدْ نَزَلَ عَلَيْهِ الماءُ فَزَها واهْتَزَّ ورَبا وجَدَهُ مُطابِقًا لِأمْرِ البَعْثِ، وإذا ذَكَرَ القُدْرَةَ فَرَأى اخْتِلافَ اللَّيْلِ والنَّهارِ، وسَيْرَ الكَواكِبِ الصِّغارِ والكِبارِ، وإمْطارَ الأمْطارِ، وإجْراءَ الأنْهارِ، ونَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الأسْرارِ، رَآهُ مُطابِقًا لِكُلِّ ما يَخْطُرُ في بالِهِ مِنَ الأقْدارِ، وإذا خَطَرَ لَهُ العِلْمُ، فَتَبَصَّرَ في جَرْيِ هَذِهِ الأُمُورِ وغَيْرِها عَلى مِنهاجٍ مُسْتَقِيمٍ، ونِظامٍ واضِحٍ قَوِيمٍ، وسَيْرٍ مُتْقَنٍ حَكِيمٍ، عَلِمَ أنَّ ذَلِكَ في غايَةِ المُطابَقَةِ لِلْخَبَرِ بِالعِلْمِ الشّامِلِ والقُدْرَةِ التّامَّةِ [عَلى البَعْثِ وغَيْرِهِ]، أوْ إلّا بِالأمْرِ الثّابِتِ والقَضاءِ النّافِذِ الَّذِي لا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ المُرادُ، ولا يَسْتَعْصِي عَلَيْهِ حَيَوانٌ ولا جَمادٌ، [و] خَلَقَكم مِن هَذا الخَلْقِ الكَبِيرِ الَّذِي قامَ بِأمْرِهِ مِن (p-٤٩)بَعْضِ تُرابِهِ.
ثُمَّ جَعَلَكم مِن سُلالَةٍ مِن ماءٍ مَهِينٍ، فالقُدْرَةُ الَّتِي خَلَقَ بِها ذَلِكَ كُلَّهُ وابْتَدَأكم ثُمَّ يُبِيدُكُمْ، بِها بِعَيْنِها يُحْيِيكم ويُعِيدُكُمْ، ثُمَّ إذا دَعاكم دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إذا أنْتُمْ تَخْرُجُونَ، أوْ إلّا بِسَبَبِ إحْقاقِ الحَقِّ وإبْطالِ الباطِلِ، فَلا بُدَّ مِن تَصْدِيقِ وعْدِهِ بِإدالَةِ الرُّومِ لِأخْذِ حَقِّهِمْ مِنَ الفُرْسِ، ولا بُدَّ مِن أنْ يُقِيمَكم بَعْدَ أنْ يُنِيمَكم ويُثْبِتَ كُلَّ حَقٍّ رَأيْتُمُوهُ قَدْ أُبْطِلَ، ويُبْطِلَ كُلَّ باطِلٍ رَأيْتُمُوهُ قَدْ أُعْمِلَ، لِأنَّهُ أحْكَمُ الحاكِمِينَ، فَلَوْ أقَرَّ عَلى إماتَةِ حَقٍّ أوْ إحْياءِ باطِلٍ لَما كانَ كَذَلِكَ.
ولَمّا كانَ عِنْدَهم أنَّ هَذا الوُجُودَ حَياةٌ ومَوْتٌ لا إلى نَفادٍ، قالَ: ﴿وأجَلٍ﴾ لا بُدَّ أنْ يَنْتَهِيَ إلَيْهِ ﴿مُسَمًّى﴾ أيْ في العِلْمِ مِنَ الأزَلِ، وذَلِكَ الأجَلُ هو وقْتُ قِيامِ السّاعَةِ، وذَلِكَ أنَّهُ كَما جَعَلَ لَهم آجالًا لِأصْلِهِمْ وفَرْعِهِمْ لَمْ يَشِذَّ عَنْها أحَدٌ مِنهم فَكَذَلِكَ لا بُدَّ مِن أجَلٍ مُسَمًّى لِما خُلِقُوا مِنهُ، فَإذا جاءَ ذَلِكَ الأجَلُ انْحَلَّ هَذا النِّظامُ، واخْتَلَّ هَذا الإحْكامُ، وزالَتْ هَذِهِ الأحْكامُ، فَتَساقَطَتْ هَذِهِ الأجْرامُ، وصارَتْ إلى ما كانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الإعْدامِ، وإلّا كانَ الخَلْقُ عَبَثًا يَتَعالى عَنْهُ المَلِكُ العَلّامُ.
ولَمّا كانُوا يُنْكِرُونَ أنَّهم عَلى كُفْرٍ، أكَّدَ قَوْلَهُ: (p-٥٠)﴿وإنَّ كَثِيرًا مِنَ النّاسِ﴾ مَعَ ذَلِكَ عَلى وُضُوحِهِ ﴿بِلِقاءِ رَبِّهِمْ﴾ الَّذِي مَلَأهم إحْسانًا بِرُجُوعِهِمْ في الآخِرَةِ إلى العَرْضِ عَلَيْهِ لِلثَّوابِ والعِقابِ ﴿لَكافِرُونَ﴾ أيْ لَساتِرُونَ ما في عُقُولِهِمْ مِن دَلائِلِ وحْدانِيَّتِهِ وحُجَجِ قُدْرَتِهِ وحِكْمَتِهِ سِتْرًا عَظِيمًا، كَأنَّهُ غَرِيزَةٌ لَهُمْ، فَهم لِذَلِكَ يُكَذِّبُونَ بِما وعَدَكم سُبْحانَهُ مِن إدالَةِ الرُّومِ عَلى الفَرَسِ، فَلا يَهُولَنَّكم ذَلِكَ لِأنَّهم قَدْ كَذَّبُوا بِما هو أكْبَرُ مِنهُ، وهو الآخِرَةُ عَلى ما لَها مِنَ الدَّلائِلِ الَّتِي تَفُوتُ الحَصْرَ، وإذا راجَعْتَ ما تَقَدَّمَ في آيَةِ الأنْعامِ ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكم مِن طِينٍ﴾ [الأنعام: ٢] ازْدَدْتَ في هَذا بَصِيرَةً.
{"ayah":"أَوَلَمۡ یَتَفَكَّرُوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۗ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَیۡنَهُمَاۤ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلࣲ مُّسَمࣰّىۗ وَإِنَّ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَاۤىِٕ رَبِّهِمۡ لَكَـٰفِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق